سخيفة، وكذلك تشتمل القصائد والأشعار على أغراض مختلفة، لأن الشعراء والفصحاء في كل واد يهيمون، فتارة يمدحون الدنيا وتارة يذمونها، وتارة يمدحون الجبن ويسمونه حزما وتارة يذمونه ويسمونه ضعفا، وتارة يمدحون الشجاعة ويسمونها صرامة وتارة يذمونها ويسمونها تهوّرا، ولا ينفك كلام الآدمي عن هذه الاختلافات، لأن منشأها اختلاف الأغراض بالأحوال.
والإنسان تختلف أحواله فتساعده الفصاحة عند انبساط الطبع وفرحه وتتعذر عليه عند الانقباض.
وكذلك تختلف أغراضه فيميل إلى الشيء مرة ويميل عنه أخرى، فيوجب ذلك اختلافا في كلامه بالضرورة، فلا يصادف إنسان يتكلم في ثلاث وعشرين سنة وهي مدة نزول القرآن فيتكلم على غرض واحد ومنهاج واحد، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بشرا تختلف أحواله، فلو كان هذا كلامه أو كلام غيره من البشر لوجدوا فيه اختلافا كثيرا».
الوجه الرابع: تأثير القرآن وفاعليته في الأفئدة:
وهو وجه هام، ذهب عنه الناس، فلا يعرفه إلا الشاذ من آحادهم، وذلك هو صنيعه العجيب في القلوب، وتأثيره العميق في القلوب [1].
لو أن إذاعات عالمية أو صحفا كبرى أخبرت عن دويلة صغرى أنها أخذت بكتاب لديها فارتقت من دحض الضعف والتخلف والجهل إلى أوج القوة والتقدم والعلم حتى اكتسحت الدولتين الأعظم لاعتبرنا ذلك حيلة إذاعية، أو خدعة صحفية، لأن هذا يتنافى مع ما جرت به العادة وقوانين الاجتماع، وقد كان العرب أدنى من ذلك حالا وأشد تخلفا، وإذا بهم بهذا القرآن وتأثيره فيهم انقلبوا حتى كانوا كما سجل القرآن نفسه في مدحهم:
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وهكذا ظل القرآن مدى التاريخ كتاب [1] كما ذكر الخطابي في رسالته «بيان إعجاز القرآن» ص 64.