الوجه الثالث: اتساق نظريات القرآن وأحكامه:
جاء القرآن الكريم بهداية كاملة شاملة، كافية وافية في جميع الشئون المختلفة المتنوعة، وزاد عدد آياته على ستة آلاف آية تناولت مختلف الموضوعات التي تزيد على المئات، وجاء ذلك كله متفقا في معانيه وأحكامه، متسقا في أسلوبه وإعجازه، فكان ذلك دلالة على أنه كلام الله، كما قال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [1].
وقد فصّل الإمام الغزالي وجه الدلالة بهذا تفصيلا وافيا بإيجاز جميل فقال ([2]):
«الاختلاف لفظ مشترك بين معان، والمراد هنا نفي الاختلاف عن ذات القرآن، يقال: هذا كلام مختلف، أي لا يشبه أوله آخره في الفصاحة، أو هو مختلف الدعوى، أي بعضه يدعو إلى الدين وبعضه يدعو إلى الدنيا، أو هو مختلف النظم، فبعضه على وزن الشعر وبعضه منزحف وبعضه على أسلوب مخصوص في الجزالة وبعضه على أسلوب يخالفه.
وكلام الله منزّه عن هذه الاختلافات، فإنه على منهاج واحد في النظم مناسب أوله آخره، وعلى درجة واحدة في غاية الفصاحة، فليس يشتمل على الغث والسمين، مسوق لمعنى واحد وهو دعوة الخلق إلى الله تعالى وصرفهم عن الدنيا إلى الدين.
وكلام الآدميين تتطرق إليه هذه الاختلافات، إذ كلام الشعراء والمترسلين إذا قيس عليه وجد فيه اختلاف في منهاج النظم، ثم اختلاف في درجات الفصاحة، بل في أصل الفصاحة حتى يشتمل على الغث والسمين، ولا يتساوى رسالتان وقصيدتان بل تشتمل قصيدة على أبيات فصيحة وأبيات [1] سورة النساء، الآية 81. [2] كما نقل عنه السيوطي في الإتقان ج 2 ص 124 بتصرف يسير.