[المائدة: 18]، وأنهم من أهل الجنة على الخصوص بطريق النعت والمكابرة، ولذلك لم يتمنوا الموت.
وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم: «أنهم لو تمنوا الموت، لغض كل إنسان بريقه، فمات مكانه، وما بقى على وجه الأرض يهودى»، والغصة: الشجى، وهو ما تعلق بالحق من العظم ونحوه، ولم ينزل إلى الجوف، والمعنى: لا يقدر على أن يبتلع ريقه فيموت فى مكانه.
من دلائل النبوة المحمدية:
وهذه الجملة وهى قوله سبحانه: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً [البقرة: 95] إخبار بالغيب، فإن عدم تمنيهم فى المستقبل، وهو غيب لا يعلم بالحس، ولا ببديهة العقل، ولم ينصب عليه دليل أيضا، فكانت الآية من المعجزات الدالة على حقية رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه لما أخبر الله تعالى أنهم لا يتمنون الموت أبدا، كان الأمر كما قال، مع أن تكذيبه، عليه السلام، أهم الأمور عندهم، وأن ما يدعوهم إليه ممكن متوفر بالنسبة إليهم، وأن قولهم: تمنينا الموت، سهل وغير متعسر عليهم، فلو قال أحد منهم، لظهر كذبه، عليه السلام، فيما أخبر به عن الله تعالى، ولتبين بذلك كذبه فى دعوى الرسالة أيضا، ومع ذلك امتنعوا من أن يقولوا ذلك، وكان الأمر كما قال، فعلم بذلك أنه، عليه السلام، إنما علم ذلك، وأخبر به، بأن أوحى إليه من عند الله تعالى، وأنه رسول حقا.
هذا وقد جاء فى الشفا للقاضى عياض حسبما نقله صاحب تفسير الجواهر الحسان عند هذه الآية ما نصه: ومن الوجوه البينة فى إعجاز القرآن آى وردت بتعجيز قوم فى قضايا وإعلامهم أنهم لا يفعلونها، فما فعلوا ولا قدروا على ذلك، كقوله تعالى لليهود:
قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ ... الآية. قال أبو إسحاق الزجاج: فى هذه الآية أعظم حجة، وأظهر دلالة على صحة الرسالة؛ لأنه قال لهم: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ [البقرة: 94]، وأعلمهم أنهم لن يتمنوه أبدا، فلم يتمنه واحد منهم. وعن النبى صلى الله عليه وسلم: «والذى نفسى بيده، لا يقولها رجل منهم إلا غص بريقه»، يعنى يموت مكانه. قال أبو محمد الأصيلى: من أعجب أمرهم أنه لا توجد منهم جماعة ولا واحد من يوم أمر الله تعالى نبيه بذلك يقدم عليه، ولا يجيب إليه، وهذا موجود مشاهد لمن أراد أن يمتحنهم.
المراد بتمنى الموت: