responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عون الحنان في شرح الأمثال في القرآن المؤلف : على أحمد عبد العال الطهطاوى    الجزء : 1  صفحة : 270
وعن طريق هذا المثل الذى يقوم على التشابه بين قصتين، وحالتين، دعوة لأولئك الناس إلى استخدام عقولهم فى التفكير الذى يقوم على الموازنة والتمييز بين شيئين ليختار العاقل الصالح من الأمر، وإعلامهم بأن العقل والفكر علامتان للإنسان الجديد الذى يدين بدين الإسلام، فلا خضوع لتقاليد، ولا إرهاب لسلطة مهما كانت مراكزها، ولا بجنس أو لون، وإنما الناس جميعا إخوة سواسية، إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات: 13].
فى هذه البيئة الصخرية الحجرية فى طبيعتها، وفكر أصحابها، وتقاليد أسرها وعائلاتها، وتكوين مجتمعاتها، كان من الحكمة الإلهية أن يكثر قرع الآذان بتلك الدقات الشديدة من الأمثال؛ لتصل إلى مجامع القلوب، فتقوم من غفوتها، وتستيقظ من سباتها العميق الذى يحجب عنها الرؤية لذلك النور الإلهى الذى بدد الظلام، وأزال الغشاوة عما لحق بالصدور والقلوب من الشرك بالله، والانتماء للباطل بصوره وأشكاله.
وإذا كانت الفترة الزمنية الأولى فى بدء الدعوة قد امتدت إلى ثلاث عشرة سنة، مما أتاح للرسول، عليه الصلاة والسلام، أن يعمل على نشر الدعوة بين ربوع مكة وما جاورها، وأن يهيئ أولئك الرجال الذين اتبعوه وآمنوا بالقرآن الكريم ليحملوا رسالته فى كل مكان، فإن المجتمع الجديد الذى ستنتقل إليه الدعوة تختلف فيه الصورة عن المجتمع المكى، فهذا المجتمع المدنى يقوم على الزراعة، وطبيعته تختلف عن طبيعة مكة، فالأرض الخصبة تعطى، وتنبت الخير والرزق، وتنعكس تلك الطبيعة على أهلها برا، وسماحة، ولينا، واستجابة لدعوة الخير من أول نداء وجهه الرسول إليهم فى بيعاتهم التى بايعوا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا المجتمع تفتح ذهنه لهذا الفكر الوافد، وبدت ملامح اليقظة فى حركاته بفعل تأثره بغيره من المجتمعات الأخرى التى اختلطت به، وتميزت بفكرها، وكتبها السماوية، فكان الأمر سهلا، لا يحتاج إلى كبير معاناة فى توصيل الحقائق المباشرة التى تبنى الحياة بكل اتجاهاتها المختلفة.
فليس فيها ذلك الفكر المتسلط، ولا رهبة أصحاب السلطة الدينية، كما فى مكة، ولا تلك التقاليد البالية التى تعوق الفكر الجديد عن الوصول إلى قلوب الناس وعقولهم.
وكان القرب من اليهود فى ذلك الوقت سبيلا إلى معرفة مظاهرهم الدينية،

اسم الکتاب : عون الحنان في شرح الأمثال في القرآن المؤلف : على أحمد عبد العال الطهطاوى    الجزء : 1  صفحة : 270
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست