واختلاطهم بهم، وتناقلهم لأمثالهم وأقوالهم، لذلك كانت منهم الاستجابة السريعة لكلمة الإسلام والإصغاء لتعاليمه دون حاجة ماسة إلى ضرب الأمثال الكثيرة التى يحتاج إليها المعاندون والجاحدون لآيات الله.
2 - تتشابه صياغة المثل المكى والمدنى فى كثير من المظاهر الخارجية، من حيث اشتمالها على المتمثل له، والمتمثل به، والإتيان بكاف التشبيه، الأداة، فى صورة قصصية، وصفة مجازية تصور حال كل منهما. إلا أن هناك أشياء جديرة بالملاحظة تعطى فروقا لها دلالتها، مثل:
(أ) يكثر فى المثل المكى استخدام الفعل ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا [إبراهيم: 24]، وما أخذ من هذا الفعل من المضارع والمصدر، وما لهذا الاستخدام من وقع، فهو يقرع الأسماع، فيدعوها إلى الالتفات والتنبه.
(ب) يكثر فى المثل المكى أيضا التعقيب بقوله: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ [البقرة: 219]، كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ [الأنعام: 122]، فَاقْصُصِ الْقَصَصَ [الأعراف: 176]، ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ [إبراهيم: 18]، يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ [إبراهيم: 27].
وهذا التعقيب بعد ذكر المثل له دلالته، فهو يبين الحكمة من إيراد المثل، ويوقظ فى النفوس والعقول ما هى بحاجة إليه من رغبة فى الهداية وبعد عن الجهل والضلال.
(ج) البدء فى المثل المدنى يكثر فيه استعمال المثل: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً [البقرة: 17].
3 - اعتمدت الأمثال المكية فى أدواتها التأثيرية على كثير من مظاهر الحياة المكية، فهذا المجتمع يقوم التعامل فيه على التجارة، والقوافل، والعبيد، واستغلال مواسم الحج، وما يجلبه ذلك من نفع مادى يعود على الجميع، ونفع ثقافى، حيث تتناقل فيه السير والأحداث التى تلوكها الألسنة، وتبقى فى عقول الناس راسبة، بالإضافة إلى أسواق
أدبية شهيرة، تعقد فيها حلقات الشعر، وتعرض فيها نماذج الشعر الجيد، ويتبارى فى ذلك الكثيرون، حتى إذا حكم لأحدهم بالتفوق، كتبت قصيدته بماء الذهب، وعلقت على الكعبة، أسواق شهيرة، أسواق عكاظ، وذى المجنة، وذى المجاز.
فى هذا الجو المفعم بالتأثيرات المادية والثقافية، كان لا بدّ وأن تكون الأمثال القرآنية