1 - الأمثال التى وردت فى القرآن الكريم فى السور المكية أكثر من التى وردت فى السور المدينة، ويرجع ذلك إلى بدء الدعوة فى مكة، وحاجة الناس إلى وسائل عديدة من الإرشاد والتوجه، حتى تصل الدعوة إلى نفوسهم وقلوبهم وعقولهم، عن طريق الاسترشاد بالأحداث والوقائع، وبخاصة أن الأمية والجهالة فاشية فى القوم، وكانت
التقاليد والعادات آخذة برقابهم، ومهيمنة على عقولهم، فهم لا ينفكون يقولون: هذا ما وجدنا عليه آباءنا.
والتغلب على هذه العقدة المسيطرة جد عسير، ما لم تستخدم تلك الوسائل المؤثرة فى النفس والعقل، فهم بمثابة أطفال وجدوا أنفسهم فى مقاعد للسمع، ويحتاجون إلى إدراك ما يزيل ما بهم من جهالة، ويرفع عنهم الغشاوة، ويفتح أعينهم على أنوار الحياة بكل معطياتها، ولا يتأتى ذلك بالتعليم المباشر، وبالنصح الغالب، وإنما تقوم وسائل الإيضاح بمهمتها خير قيام بعرض بعض قصص السابقين، ووصف أحوال الغابرين بتلك الصورة الموحية التى تستخلص نتائجها، ويستهدى بها العقل إذا وصلت إلى سمعه، واستقرت فى أعماقه، وقد تكون كما نفعل الآن بمثابة فيلم يعرض على الصغار، فيثبت فى أذهانهم المعلومة، وينقل إليهم التجربة، ويعرفون النتيجة بتلك الصور التى تستولى على مشاعرهم، هم فى دور التكوين والتعليم، فلتؤد وسيلة الإيضاح مهمتها بكل طريق.
ومن التجارب والأحداث والوقائع تكون الخبرات الصادقة، والنتائج القربية، ولم لا؟ أليس هؤلاء الناس أقرب إلى جو هذه الأمثال، وما بها من صدق وفكر، وتأثير بما يشتهر على ألسنتهم من حكمة صادقة يرسلونها إرسالا، فتدوى مع الزمن، وتصدق فى كل حين، أليست الحكمة التى يتحدثون بها فى ندواتهم ويتناشدونها فى أشعارهم إلا قسيما لذلك المثل الذى يردد بين الحين والحين، فيكون له تأثيره وأثره؟
إن الأمثال الحكمية بما ترسله من إشعاعات الفكر، وتأثيرات القول، وعمق التجربة، لتعلى من شأن قائلها على مدى العصور والأيام، وتعلى من شأن معتنقيها ومصدقيها لو ساروا على نهجها وهداها، لذلك كانت الأمثال فى هذا الجو، وفى هذا الميدان، من متطلبات الدعوة، تأتى فى آيات الله لتنزع الجهل والجهالة، وتقتلع بذور الشرك، وتضع اللبنات الأولى فى بناء ذلك المجتمع الذى يحتاج إلى كثير من مواد البناء من مثل، وحكمة، وأمر، ونهى، وتبيان ... إلخ.