اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 349
ولما كان العقل والوحى وما إليهما من عالم النفس السامية الفاضلة، وكانت الشهوات والأهواء والزخارف المادية من عالم هذا الحس، وكان الإنسان ما دام فى حياته الدنيا فهو إلى الحس أقرب وبه ألصق، ولا يقوى على مقاومة هذه الدوافع إلى الشرع إلا بتوفيق ربانى، وإرادة قوية، ومجاهدة دائمة، وعزيمة صادقة، وهو ما يشق على أكثر النفوس. من هنا كان أكثر النوع الإنسانى ماديا دنيويا إلا القليل الذى ملك عنان نفسه، وقوى على التصرف فى عوالم حسه، واستعان بطاعة الله على تثبيت هذا
الإيمان الكريم وسلوك هذا المسلك القويم، وتأمل الإشارة إلى ذلك فى قول الله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ [المعارج: 19 - 23]، وتأمل دوران هذا المعنى فى كثير من الآيات التى ورد فيها ذكر الإنسان.
وانظر كيف أن صوارف الحس ونوازع النفس وتعلق الروح بالمادة لا تزال تحاول أن تصرف الإنسان عن إيمانه لأقل المناسبات حتى بعد أن تثبت العقيدة وترسخ، وانظر مصداق ذلك فى الآية الكريمة: وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف: 138، 139]، وإلى ما كان من بعض أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فى غزوة حنين، حينما مروا بشجرة للمشركين كانوا يعلقون عليها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط، فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والذى نفسى بيده: لتركبن سنن من قبلكم» رواه الترمذى عن أبى واقد الليثى رضى الله عنه [1].
تأمل ذلك كله لتعلم صدق هذا الناموس الخالد: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ [هود: 17] وليس معنى أنهم لا يؤمنون أن يكونوا جميعا كفارا ولا شك، بل يدخل معنى الآية: أن من الناس من لا يؤمنون لا ظاهرا ولا باطنا، وهم الكفار على اختلاف [1] رواه أحمد (6/ 285، 286) والترمذى برقم (2180) عن أبى واقد الليثى رضى الله عنه وقال: حسن صحيح. واسم أبى واقد: الحارث بن عوف. وصححه الألبانى فى «صحيح الترمذى» (1771).
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 349