responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا    الجزء : 1  صفحة : 348
لما ذكر ذلك قرر فى هذه الآية ناموسا اجتماعيا: وهو أن أكثر الناس لا يؤمنون، وقد تكرر هذا المعنى كثيرا فى القرآن الكريم، وقلما تذكر الكثرة إلا ومعها الضلالة والإعراض، وقلما تذكر القلة إلا ومعها الهداية والنور والإنتاج، وتأمل ذلك فى قوله تعالى: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف: 103]، وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام: 116]، وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ [الأعراف:
17]، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [البقرة: 243]، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً [التوبة: 25]، إلى جانب قوله تعالى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: 13]، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ [ص: 24]، وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [1] [آل عمران: 123]، كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة: 249] الخ، تجد ذلك يكاد يكون مطردا، وأنت إذا طالعت مصداق ذلك فى شئون الناس وأحوال الدعوات وجدته صحيحا مطردا، فما من دعوة حق إلا كان أهلها قلائل بالنسبة لمن يناوئها من أهل الباطل والدهماء، ولكنك إلى جانب هذا تجد أن الغلبة دائما للقلة المحقة والنصر دائما إلى جانبها. وبذلك يتضح لك وجه الجمع بين ما سبق من وعد الله لدينه أن يظهره على الدين كله مع تقرير أن أكثر الناس لا يؤمنون الإيمان الكامل الحق، ولو مع الحرص على ذلك، ومن ذلك تعلم أن قول ذلك العربى: «وإنما العزة للكاثر» لا يتمشى إلا إذا تساوت الفئتان فى غير العدد من وسائل القوة وزادت إحداهما الكثرة، أما إذا تميز أهل الحق من أهل الباطل: فقد كتب الله الغلبة للمحقين مهما كان عدد خصومهم كثيرا، وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم: 47].

[لماذا ينصرف أكثر الناس عن الإيمان؟]
والسر فى انصراف أكثر الناس عن الإيمان: أن الإنسان تتجاذبه قوتان تحاول كل منهما أن تتغلب عليه وأن توجهه وجهتها: قوة الخير التى يؤازرها العقل؛ ويرشدها الوحى؛ ويقويها العمل الصالح، وقوة الشر التى تمدها الشهوات؛ ويزينها الشيطان؛ ويقود إليها الهوى؛ وتغرى بها زخارف المادة وأعراض الحياة الدنيا ولذائذها، وتزداد ضراوة بالمعاصى والمخالفات.

[1] أذلة: أى قلة.
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا    الجزء : 1  صفحة : 348
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست