responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب المؤلف : البجيرمي    الجزء : 1  صفحة : 9
وَوَفَّقَ الْعَامِلِينَ لِخِدْمَتِهِ فَهَجَرُوا لَذِيذَ الْمَنَامِ وَأَذَاقَ الْمُحِبِّينَ لَذَّةَ قُرْبِهِ وَأُنْسِهِ فَشَغَلَهُمْ عَنْ جَمِيعِ الْأَنَامِ.

أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخَرْقِ الْقِشْرِ وَلَا إلَى الدُّهْنِ إلَّا بِدَقِّ اللُّبِّ.

وَقَوْلُهُ: (لَطَائِفَ سِرِّهِ) جَمْعُ لَطِيفَةٍ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْرَارِ الْخَفِيَّةِ كَمَا وَقَعَ لِلْخَضِرِ مَعَ مُوسَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَعَلَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمُحَاضَرَةِ أَيْ؛ الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ أَيْ مُشَاهَدَتِهِ تَعَالَى بِقُلُوبِهِمْ مِنْ الْحُضُورِ وَهُوَ الشُّهُودُ. قَالَ الطَّبَلَاوِيُّ فِي السِّرِّ الْقُدُسِيِّ وَقَدْ نَبَّهَ أَهْلُ الْحَقِيقَةِ أَنَّ لِأَصْحَابِ النِّهَايَةِ فِي الْمُكَاشَفَاتِ ثَلَاثَ مَرَاتِبَ: الْمُحَاضَرَةُ وَهِيَ حُضُورُ الْقَلْبِ عِنْدَ الدَّلَائِلِ، ثُمَّ الْمُكَاشَفَةُ وَهِيَ أَنْ يَصِيرَ الْعَبْدُ فِي سَيْرِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى طَلَبِ السَّبِيلِ وَتَأَمُّلِ الدَّلِيلِ، ثُمَّ الْمُشَاهَدَةُ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَوَالِي الْأَنْوَارِ مِنْ التَّجَلِّي عَلَى قَلْبِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا انْقِطَاعٌ، فَالْمُحَاضَرَةُ كَرُؤْيَةِ الشَّيْءِ فِي النَّوْمِ وَالْمُكَاشَفَةُ كَرُؤْيَةِ الشَّيْءِ بَيْنَ النَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ، وَالْمُشَاهَدَةُ كَرُؤْيَةِ الشَّيْءِ فِي الْيَقَظَةِ، وَمِثَالٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُحَاضَرَةَ تُشْبِهُ الْجُلُوسَ عَلَى عَتَبَةِ بَابِ الْمَلِكِ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ وَالْمُكَاشَفَةُ تُشْبِهُ الدُّخُولَ فِي دَارِ الْمَلِكِ وَالْمُشَاهَدَةُ تُشْبِهُ الْوُقُوفَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَكُونُ بَيْنَك وَبَيْنَ مَطْلُوبِك فِيهِ حِجَابٌ اهـ وَيُمْكِنُ أَنَّ الشَّارِحَ أَشَارَ إلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، فَذَكَرَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْمُحَاضَرَةُ صَرِيحًا، وَأَدْرَجَ فِيهِ الثَّانِيَ أَوْ تَرَكَهُ لِفَهْمِهِ مِنْهُ، وَأَشَارَ إلَى الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: وَالْإِلْهَامُ وَهُوَ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ مَعْنًى فِي الْقَلْبِ بِطَرِيقِ الْفَيْضِ يَطْمَئِنُّ لَهُ الصَّدْرُ.

قَوْلُهُ: (وَوَفَّقَ الْعَامِلِينَ لِخِدْمَتِهِ) أَيْ طَاعَتِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَقْدَرَهُمْ عَلَى الْقِيَامِ بِطَاعَتِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، فَلِذَا قَالَ: فَهَجَرُوا لَذِيذَ الْمَنَامِ أَيْ النَّوْمَ اللَّذِيذَ، فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ، وَالْمُرَادُ بِهَجْرِ النَّوْمِ عَدَمُ الْغَفْلَةِ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ مِنْهُ، إذْ لَيْسَ لِلنَّوْمِ لَذَّةٌ لِأَنَّ النَّائِمَ لَا إحْسَاسَ لَهُ ق ل بِخِلَافِ الْغَفْلَةِ، فَإِنَّهَا قَدْ تَشْتَمِلُ عَلَى شَهَوَاتٍ يُلْتَذُّ بِهَا لِأَهْلِهَا، أَوْ الْمُرَادُ بِالنَّوْمِ حَقِيقَتُهُ وَبِاللَّذَّةِ مَا يَحْصُلُ لِلنَّائِمِ فِي أَوَّلِهِ أَوْ عَقِبَهُ مِنْ الرَّاحَةِ كَمَا فَسَّرَ بِهِ آيَةَ: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا} [النبأ: 9] مِنْ أَنَّ السُّبَاتَ فِي الْآيَةِ مَعْنَاهُ الرَّاحَةُ الَّتِي تَحْصُلُ عِنْدَ النَّوْمِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ، وَهَذِهِ السَّجَعَاتُ فِي الشَّرْحِ لَيْسَتْ عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي الْوَاقِعِ لِأَنَّ الْوَاقِعَ تَقْدِيمُ الْعِلْمِ ثُمَّ الْعَمَلِ ثُمَّ الْمَعْرِفَةِ أَيْ لِلْأَسْرَارِ الَّتِي يَطَّلِعُ عَلَيْهَا عُلَمَاءُ الْحَقِيقَةِ ثُمَّ الْمَحَبَّةِ ثُمَّ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ الْأَسْرَارَ وَالشَّارِحُ قَدَّمَ الْمَعْرِفَةَ وَإِيدَاعَ الْأَسْرَارِ عَلَى الْعَمَلِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالتَّوْفِيقِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: وَوَفَّقَ الْعَامِلِينَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمُ هَذِهِ السَّجْعَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا لِأَنَّ الْقِيَامَ بِوَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ سَبَبٌ لِإِيدَاعِ الْأَسْرَارِ وَمُقَدَّمٌ عَلَيْهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا وَلَا تَعْقِيبًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَرْكَانَ طَرِيقَةِ الْقَوْمِ أَرْبَعَةٌ: تَرْكُ الْمَنَامِ، وَتَرْكُ الْأَنَامِ، وَتَرْكُ الطَّعَامِ، وَتَرْكُ الْكَلَامِ. اثْنَانِ مَذْكُورَانِ هُنَا صَرِيحًا وَهُمَا تَرْكُ الْأَنَامِ وَتَرْكُ الْمَنَامِ، وَالِاثْنَانِ الْآخَرَانِ مَذْكُورَانِ تَلْوِيحًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَادَةً مِنْ تَرْكِ الطَّعَامِ تَرْكُ الْمَنَامِ، وَمِنْ تَرْكِ الْأَنَامِ تَرْكُ الْكَلَامِ، وَالْمُرَادُ مِنْ تَرْكِهِمَا تَرْكُ الْكَثِيرِ مِنْهُمَا وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَلِيلِ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ. وَحَاصِلُ الْمَطْلُوبِ فِي الطَّرِيقَةِ تَرْكُ الْعَوَائِدِ، فَمَنْ تَرَكَ الْعَوَائِدَ أَيْ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ، فَالْمُرَادُ بِالْعَوَائِدِ الْأُمُورُ الْمُعْتَادَةُ خُرِقَتْ لَهُ الْعَوَائِدُ بِظُهُورِ الْكَرَامَاتِ عَلَى يَدَيْهِ لِأَنَّهَا خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ. قَوْلُهُ: (وَأَذَاقَ الْمُحِبِّينَ) أَيْ أَلْقَى حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ فَاسْتَأْنَسُوا بِهِ فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى مَا سِوَاهُ وَالْمُرَادُ بِالْقُرْبِ الْقُرْبُ الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ مُرَاقَبَتُهُ تَعَالَى بِالْخَوْفِ وَالْإِجْلَالِ.
قَوْلُهُ: (وَأُنْسِهِ) هُوَ سُرُورُ الْقَلْبِ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعَارِفِ الرَّبَّانِيَّةِ وَشَبَّهَ الْقُرْبَ بِالْعَسَلِ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ وَأَذَاقَ تَخْيِيلٌ وَاللَّذَّةُ تَرْشِيحٌ، وَالْمُرَادُ بِقُرْبِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْعَبْدِ ارْتِفَاعُ الْحُجُبِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَبَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حِجَابًا بَعْضُهَا ظُلْمَانِيٌّ وَبَعْضُهَا نُورَانِيٌّ، فَإِذَا مَزَّقَهَا الْعَبْدُ وَأَزَالَهَا بِالْمُجَاهَدَاتِ وَالرِّيَاضَاتِ وَهِيَ تَأْدِيبُ النَّفْسِ عَلَى مَا وَافَقَ الشَّرْعَ، فَقَدْ قَرُبَ مِنْ اللَّهِ قُرْبًا مَعْنَوِيًّا، وَهَذِهِ الْحُجُبُ حَاجِبَةٌ لِلْعَبْدِ عَنْ رَبِّهِ لَا لِلَّهِ عَنْ عَبْدِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْجُبُهُ شَيْءٌ وَقَوْلُهُ: (الْأَنَامِ) أَيْ الْخَلْقِ.

قَوْلُهُ: (أَحْمَدُهُ إلَخْ) حَمِدَهُ بِالِاسْمِيَّةِ ثُمَّ بِالْفِعْلِيَّةِ إشَارَةٌ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ نَوْعَيْ الْحَمْدِ الدَّالِّ عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ وَهُوَ الْأَوَّلُ وَالدَّالُّ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ التَّجَدُّدِيِّ، وَقَصَدَ بِالثَّانِي الْمُوَافَقَةَ بَيْنَ الْحَمْدِ وَالْمَحْمُودِ عَلَيْهِ أَيْ كَمَا أَنَّ

اسم الکتاب : حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب المؤلف : البجيرمي    الجزء : 1  صفحة : 9
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست