responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 378
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= مِمَّا فِيهِ ضِدّ ذَلِكَ، فَنُقَرِّر مِنْ هَذَا أَنَّهَا لَا تَحْرُم إِلَّا لِمَضَرَّتِهَا الْعَقْلَ، وَدُخُولهَا فِي الْمُفَتِّر الْمَنْهِيّ عَنْهُ، وَلَا يَجِب الْحَدّ عَلَى مُتَعَاطِيهَا، لِأَنَّ قِيَاسهَا عَلَى الْخَمْر مَعَ الْفَارِق، وَهُوَ اِنْتِفَاء بَعْض الْأَوْصَاف لَا يَصِحّ اِنْتَهَى.
وَفِي التَّلْوِيح: السُّكْر هُوَ حَالَة تَعْرِض لِلْإِنْسَانِ مِنْ اِمْتِلَاء دِمَاغه مِنْ الْأَبْخِرَة الْمُتَصَاعِدَة إِلَيْهِ، فَيُعَطَّل مَعَهُ عَقْلُهُ الْمُمَيِّز بَيْن الْأُمُور الْحَسَنَة وَالْقَبِيحَة اِنْتَهَى. وَفِي كَشْف الْكَبِير: قِيلَ هُوَ سُرُور يَغْلِب عَلَى الْعَقْل بِمُبَاشَرَةِ بَعْض الْأَسْبَاب الْمُوجِبَة لَهُ فَيَمْتَنِع الْإِنْسَان عَنْ الْعَمَل بِمُوجَبِ عَقْله مِنْ غَيْر أَنْ يُزِيلهُ وَبِهَذَا بَقِيَ السَّكْرَان أَهْلًا لِلْخِطَابِ اِنْتَهَى.
وَقَالَ السَّيِّد الشَّرِيف الْجُرْجَانِيّ فِي تَعْرِيفَاته: السُّكْر غَفْلَة تَعْرِض بِغَلَبَةِ السُّرُور عَلَى الْعَقْل بِمُبَاشَرَةِ مَا يُوجِبهَا مِنْ الْأَكْل وَالشُّرْب
وَالسُّكْر مِنْ الْخَمْر عِنْد أَبِي حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّه: أَنْ لَا يَعْلَم الْأَرْض مِنْ السَّمَاء وَعِنْد أَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد الشَّافِعِيّ أَنْ يَخْتَلِط كَلَامه، وَعِنْد بَعْضهمْ أَنْ يَخْتَلِطَ فِي مَشْيه بِحَرَكَةٍ اِنْتَهَى.
وَفِي الْقَامُوس: فَتَرَ جِسْمه فُتُورًا لَانَتْ مَفَاصِله وَضَعُفَ، الْفُتَارُ كَغُرَابٍ اِبْتِدَاءُ النَّشْوَة، وَأَفْتَرَ الشَّرَابُ فَتَرَ شَارِبُهُ اِنْتَهَى.
وَفِي الْمِصْبَاح: وَخَدِرَ الْعُضْو خَدَرًا مِنْ بَاب تَعِبَ اِسْتَرْخَى فَلَا يُطِيق الْحَرَكَةَ وَقَالَ فِي النِّهَايَة فِي حَدِيث عُمَر أَنَّهُ رَزَقَ النَّاسَ الطِّلَاءَ فَشَرِبَهُ رَجُل فَتَخَدَّرَ أَيْ ضَعُفَ وَفَتَرَ كَمَا يُصِيب الشَّارِبَ قَبْلَ السُّكْرِ اِنْتَهَى. وَسَيَجِيءُ حَدِيث عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
وَفِي رَدّ الْمُحْتَار عَنْ الْخَانِيَّة فِي تَعْرِيف السَّكْرَان أَنَّهُ مَنْ يَخْتَلِط كَلَامه وَيَصِير غَالِبُهُ الْهَذَيَان.
وَقَالَ الشَّيْخ زَكَرِيَّا بْن مُحَمَّد الْقَزْوِينِيّ فِي كِتَابه عَجَائِب الْمَخْلُوقَات وَالْحَيَوَانَات وَغَرَائِب الْمَوْجُودَات: الزَّعْفَرَان يُقَوِّي الْقَلْب وَيُفْرِح وَيُورِث الضَّحِك، وَالزَّائِدُ عَلَى الدِّرْهَم سُمٌّ قَاتِل اِنْتَهَى.
وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل أَنَّهُ كَانَ يَكْتُب عَلَى جَام أَبْيَضَ بِزَعْفَرَانٍ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي عَسُرَ عَلَيْهَا وِلَادَتهَا، وَكَانَتْ الْمَرْأَة تَشْرَبهُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزُّرْقَانِيّ فِي شَرْح الْمَوَاهِب، وَفِيهِ دَلَالَة وَاضِحَة عَلَى أَنَّ الْإِمَام أَحْمَد لَا يَرَى السُّكْر فِي الزَّعْفَرَان وَإِلَّا كَيْف يَجُوز لَهُ الْكِتَابَة بِزَعْفَرَانٍ لِأَجْلِ شُرْبهَا.
قَالَ الْحَافِظ اِبْن الْقَيِّم فِي زَاد الْمَعَاد: قَالَ الْخَلَّال: حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد قَالَ رَأَيْت أَبِي يَكْتُب لِلْمَرْأَةِ إِذَا عَسُرَ عَلَيْهَا وِلَادَتهَا فِي جَام أَبْيَضَ أَوْ شَيْء نَظِيف يَكْتُب حَدِيث اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: " لَا إِلَه إِلَّا اللَّه الْحَلِيم الْكَرِيم " إِلَى آخِر الْحَدِيث. قَالَ الْخَلَّال: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْر الْمَرْوَزِيُّ أَنَّ أَبَا عَبْد اللَّه جَاءَهُ رَجُل فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْد اللَّه تَكْتُب لِامْرَأَةٍ قَدْ عَسُرَ عَلَيْهَا وَلَدهَا مُنْذُ يَوْمَيْنِ، فَقَالَ قُلْ لَهُ يَجِيء بِجَامٍ وَاسِع وَزَعْفَرَان وَرَأَيْته يَكْتُب لِغَيْرِ وَاحِد.
قَالَ اِبْن الْقَيِّم: وَكُلّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الرُّقَى فَإِنَّ كِتَابَته نَافِعَة. وَرَخَّصَ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف فِي كِتَابَة بَعْض الْقُرْآن وَشُرْبه، وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الشِّفَاء الَّذِي جَعَلَ اللَّه فِيهِ اِنْتَهَى.
وَالْحَافِظ اِبْن الْقَيِّم أَيْضًا لَا يَرَى السُّكْر فِي الزَّعْفَرَان وَأَنَّهُ لَا يُذْكَر فِي زَاد الْمَعَاد شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَدْوِيَة الَّتِي فِيهَا سُكْر، وَقَدْ قُرِنَ الزَّعْفَرَان بِالْعَسَلِ الْمُصَفَّى، فَقَالَ فِي بَيَان الْفِضَّة هِيَ مِنْ الْأَدْوِيَة الْمُفْرِحَة النَّافِعَة مِنْ الْهَمّ وَالْغَمّ وَالْحَزَن وَضَعْف الْقَلْب وَخَفَقَانه، وَتَدْخُل فِي الْمَعَاجِين الْكِبَار، وَتَجْتَذِب بِخَاصِّيَّتِهَا مَا يَتَوَلَّد فِي الْقَلْب مِنْ الْأَخْلَاط الْفَاسِدَة خُصُوصًا إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى الْعَسَل الْمُصَفَّى وَالزَّعْفَرَان اِنْتَهَى.
وَلِلْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّة فِيهِ كَلَام عَلَى طَرِيق آخَر، فَقَالَ الشَّامِيّ فِي رَدّ الْمُحْتَار، وَقَالَ مُحَمَّد: مَا أَسْكَرَ كَثِيره فَقَلِيله حَرَام وَهُوَ نَجِس أَيْضًا اِنْتَهَى.
أَقُول الظَّاهِر أَنَّ هَذَا خَاصّ بِالْأَشْرِبَةِ الْمَائِعَة دُون الْجَامِد كَالْبَنْجِ وَالْأَفْيُون فَلَا يَحْرُم قَلِيلهَا بَلْ كَثِيرهَا الْمُسْكِر، وَبِهِ صَرَّحَ اِبْن حَجَر الْمَكِّيّ فِي التُّحْفَة وَغَيْره وَهُوَ مَفْهُوم مِنْ كَلَام أَئِمَّتنَا لِأَنَّهُمْ عَدُّوهَا مِنْ الْأَدْوِيَة الْمُبَاحَة وَإِنْ حَرُمَ السُّكْر مِنْهَا بِالِاتِّفَاقِ وَلَمْ نَرَ أَحَدًا قَالَ بِنَجَاسَتِهَا وَلَا بِنِحَاسَةِ زَعْفَرَان مَعَ أَنَّ كَثِيره مُسْكِر، وَلَمْ يُحَرِّمُوا أَكْل قَلِيلِهِ أَيْضًا، وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُحَدّ بِالسُّكْرِ مِنْهَا بِخِلَافِ الْمَائِعَة فَأَنَّهُ يُحَدّ وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله فِي غُرَر الْأَفْكَار وَهَذِهِ الْأَشْرِبَة عِنْد مُحَمَّد وَمُوَافِقِيهِ كَالْخَمْرِ بِلَا تَفَاوُت فِي الْأَحْكَام، وَبِهَذَا يُفْتَى فِي زَمَاننَا فَخُصّ الْخِلَاف بِالْأَشْرِبَةِ
وَالْحَاصِل أَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ حُرْمَة الْكَثِير الْمُسْكِر حُرْمَة قَلِيله وَلَا نَجَاسَته مُطْلَقًا إِلَّا فِي الْمَائِعَات لِمَعْنًى خَاصّ بِهَا، أَمَّا الْجَامِدَات فَلَا يَحْرُم مِنْهَا إِلَّا الْكَثِير الْمُسْكِر وَلَا يَلْزَم مِنْ حُرْمَته نَجَاسَته كَالسُّمِّ الْقَاتِل فَإِنَّهُ حَرَام مَعَ أَنَّهُ طَاهِر اِنْتَهَى كَلَام الشَّامِيّ.
وَقَالَ فِي الدُّرّ الْمُخْتَار: وَيَحْرُم أَكْل الْبَنْج وَالْحَشِيشَة هِيَ وَرَق الْقِنَّب وَالْأَفْيُون لِأَنَّهُ مُفْسِد لِلْعَقْلِ. =
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 378
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست