responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 379
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قَالَ الشَّامِيّ: الْبَنْج بِالْفَتْحِ نَبَات يُسَمَّى شَيْكَرَان يُصَدِّع وَيُسَبِّت وَيَخْلِط الْعَقْل كَمَا فِي التَّذْكِرَة لِلشَّيْخِ دَاوُدَ. وَالْمُسَبَّت الَّذِي لَا يَتَحَرَّك. وَفِي الْقُهُسْتَانِيّ: هُوَ أَحَد نَوْعَيْ شَجَر الْقِنَّب حَرَام لِأَنَّهُ يُزِيل الْعَقْل وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بِخِلَافِ نَوْع آخَر مِنْهُ فَإِنَّهُ مُبَاح كَالْأَفْيُونِ لِأَنَّهُ وَإِنْ اِخْتَلَّ الْعَقْل بِهِ لَا يَزُول وَعَلَيْهِ يُحْمَل مَا فِي الْهِدَايَة وَغَيْرهَا مِنْ إِبَاحَة الْبَنْج كَمَا فِي شَرْح اللُّبَاب.
أَقُول هَذَا غَيْر ظَاهِر لِأَنَّ مَا يُخِلّ الْعَقْلَ لَا يَجُوز أَيْضًا بِلَا شُبْهَةٍ فَكَيْف يُقَال إِنَّهُ مُبَاح بَلْ الصَّوَاب أَنَّ مُرَاد صَاحِب الْهِدَايَة وَغَيْره إِبَاحَة قَلِيله لِلتَّدَاوِي وَنَحْوه وَمَنْ صَرَّحَ بِحُرْمَتِهِ أَرَادَ بِهِ الْقَدْر الْمُسْكِر مِنْهُ، يَدُلّ عَلَيْهِ مَا فِي غَايَة الْبَيَان عَنْ شَرْح شَيْخ الْإِسْلَام أَكْل قَلِيل السَّقَمُونِيَا وَالْبَنْج مُبَاح لِلتَّدَاوِي، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إِذَا كَانَ يُفَتِّر أَوْ يُذْهِب الْعَقْلَ حَرَام فَهَذَا صَرِيح فِيمَا قُلْنَاهُ مُؤَيِّد لِمَا بَحَثْنَاهُ سَابِقًا مِنْ تَخْصِيص مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيره حُرِّمَ قَلِيله بِالْمَائِعَاتِ، وَهَكَذَا يُقَال فِي غَيْره مِنْ الْأَشْيَاء الْجَامِدَة الْمُضِرَّة فِي الْعَقْل أَوْ غَيْره، يَحْرُم تَنَاوُل الْقَدْر الْمُضِرّ مِنْهَا دُون الْقَلِيل النَّافِع، لِأَنَّ حُرْمَتهَا لَيْسَتْ لِعَيْنِهَا بَلْ لِضَرَرِهَا.
وَفِي أَوَّل طَلَاق الْبَحْر مَنْ غَابَ عَقْله بِالْبَنْجِ وَالْأَفْيُون يَقَع طَلَاقه إِذَا اِسْتَعْمَلَ لِلَّهْوِ وَإِدْخَال الْآفَات قَصْدًا لِكَوْنِهِ مَعْصِيَة، وَإِنْ كَانَ لِلتَّدَاوِي فَلَا لِعَدَمِهَا كَذَا فِي فَتْح الْقَدِير، وَهُوَ صَرِيح فِي حُرْمَة الْبَنْج وَالْأَفْيُون لَا لِلدَّوَاءِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالتَّعْلِيل يُنَادِي بِحُرْمَتِهِ لَا لِلدَّوَاءِ. اِنْتَهَى كَلَام الْبَحْر. وَيُجْعَل فِي النَّهْر هَذَا التَّفْصِيل هُوَ الْحَقّ.
وَالْحَاصِل أَنَّ اِسْتِعْمَال الْكَثِير الْمُسْكِر مِنْهُ حَرَام مُطْلَقًا كَمَا يَدُلّ عَلَيْهِ كَلَام الْغَايَة، وَأَمَّا الْقَلِيل فَإِنْ كَانَ لِلَّهْوِ حَرُمَ وَإِنْ سَكِرَ مِنْهُ يَقَع طَلَاقه، لِأَنَّ مَبْدَأ اِسْتِعْمَالِهِ كَانَ مَحْظُورًا، وَإِنْ كَانَ لِلتَّدَاوِي وَحَصَلَ مِنْهُ إِسْكَار فَلَا. هَذَا آخِر كَلَام الشَّامِيّ.
ثُمَّ قَالَ الشَّامِيّ: وَكَذَا تَحْرُم جَوْزَة الطِّيب وَكَذَا الْعَنْبَر وَالزَّعْفَرَان كَمَا فِي الزَّوَاجِر لِابْنِ حَجَر الْمَكِّيّ، وَقَالَ فَهَذِهِ كُلّهَا مُسْكِرَةٌ وَمُرَادُهُمْ بِالْإِسْكَارِ هُنَا تَغْطِيَةُ الْعَقْل لَا مَعَ الشِّدَّة الْمُطْرِبَة لِأَنَّهَا مِنْ خُصُوصِيَّات الْمُسْكِرِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا تُسَمَّى مُخَدِّرَة، فَمَا جَاءَ فِي الْوَعِيد عَلَى الْخَمْر يَأْتِي فِيهَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إِزَالَة الْعَقْل الْمَقْصُود لِلشَّارِعِ بَقَاؤُهُ.
أَقُول: وَمِثْله زَهْر الْقُطْن فَإِنَّهُ قَوِيّ التَّفْرِيح يَبْلُغ الْإِسْكَار كَمَا فِي التَّذْكِرَة، فَهَذَا كُلّه وَنَظَائِره يَحْرُم اِسْتِعْمَال الْقَدْر الْمُسْكِر مِنْهُ دُون الْقَلِيل كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ، وَمِثْله بَلْ أَوْلَى الْبُرْش وَهُوَ شَيْء مُرَكَّب مِنْ الْبَنْج وَالْأَفْيُون وَغَيْرهمَا ذَكَرَ فِي التَّذْكِرَة أَنَّ إِدْمَانه يُفْسِد الْبَدَن وَالْعَقْل، وَيُسْقِط الشَّهْوَتَيْنِ، وَيُفْسِد اللَّوْن، وَيُنْقِص الْقُوَى وَيُنْهِكُ. وَقَدْ وَقَعَ بِهِ الْآن ضَرَر كَثِير اِنْتَهَى كَلَام الشَّامِيّ.
قُلْت: إِذَا عَرَفْت هَذِهِ الْأَقَاوِيل لِلْعُلَمَاءِ فَاعْلَمْ أَنَّ الزَّعْفَرَان وَالْعَنْبَر وَالْمِسْك لَيْسَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَة سُكْر أَصْلًا بَلْ وَلَا تَفْتِير وَلَا تَخْدِير عَلَى التَّحْقِيق.
وَأَمَّا الْجَوْز الطِّيب وَالْبَسْبَاسَة وَالْعُود الْهِنْدِيّ فَهَذِهِ كُلّهَا لَيْسَ فِيهَا سُكْر أَيْضًا وَإِنَّمَا فِي بَعْضهَا التَّفْتِير، وَفِي بَعْضهَا التَّخْدِير، وَلَا رَيْب أَنَّ كُلّ مَا أَسْكَرَ كَثِيره فَقَلِيله حَرَام سَوَاء كَانَ مُفْرَدًا أَوْ مُخْتَلِطًا بِغَيْرِهِ، وَسَوَاء كَانَ يَقْوَى عَلَى الْإِسْكَار بَعْد الْخَلْط أَوْ لَا يَقْوَى، فَكُلّ هَذِهِ الْأَشْيَاء السِّتَّة لَيْسَ مِنْ جِنْس الْمُسْكِرَات قَطْعًا بَلْ بَعْضهَا لَيْسَ مِنْ جِنْس الْمُفَتِّرَات وَلَا الْمُخَدِّرَات عَلَى التَّحْقِيق، وَإِنَّمَا بَعْضهَا مِنْ جِنْس الْمُفَتِّرَات عَلَى رَأْي الْبَعْض وَمِنْ جِنْس الْمَضَارّ عَلَى رَأَى الْبَعْض، فَلَا يَحْرُم قَلِيله سَوَاء يُؤْكَل مُفْرَدًا أَوْ يُسْتَهْلَك فِي الطَّعَام أَوْ فِي الْأَدْوِيَة. نَعَمْ أَنْ يُؤْكَل الْمِقْدَار الزَّائِد الَّذِي يَحْصُل بِهِ التَّفْتِير لَا يَجُوز أَكْله لِأَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ كُلّ مُفَتِّر وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ كُلّ مَا أَفَتَرَ كَثِيره فَقَلِيله حَرَام. فَنَقُول عَلَى الْوَجْه الَّذِي قَالَهُ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا نُحَدِّث مِنْ قِبَلِي شَيْئًا، فَالتَّحْرِيم لِلتَّفْتِيرِ لَا لِنَفْسِ الْمُفَتِّر فَيَجُوز قَلِيله الَّذِي لَا يُفَتِّر.
وَهَذِهِ الْعُلَمَاء الَّذِينَ نُقِلَتْ عِبَارَاتهمْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَمْر وَاحِد، بَلْ اِخْتَلَفَتْ أَقْوَالهمْ، فَذَهَبَتْ الْأَئِمَّة الْحَنَفِيَّة أَنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيله وَهُوَ فِي الْمَائِعَات دُون الْجَامِدَات، وَهَكَذَا فِي غَيْره مِنْ الْأَشْيَاء الْجَامِدَة الْمُضِرَّة فِي الْعَقْل أَوْ غَيْره يَحْرُم تَنَاوُل الْقَدْر الْمُضِرّ مِنْهَا دُون الْقَلِيل النَّافِع لِأَنَّ حُرْمَتهَا لَيْسَتْ لِعَيْنِهَا بَلْ لِضَرَرِهَا فَيَحْرُم عِنْدهمْ اِسْتِعْمَال الْقَدْر الْمُسْكِر مِنْ الْجَامِدَات دُون الْقَلِيل مِنْهَا.
وَأَمَّا اِبْن رَسْلَان فَصَرَّحَ بِلَفْظِ التَّمْرِيض فَقَالَ وَيُقَال إِنَّ الزَّعْفَرَان يُسْكِر. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَا يَبْعُد أَنْ يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى تَحْرِيم الْبَنْج.
وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد فِي الْجَوْزَة إِنَّهَا مُسْكِرَة.
وَقَالَ الْأَرْدَبِيلِيّ: إِنَّ الْجَوْز الْهِنْدِيّ وَالزَّعْفَرَان وَنَحْوهمَا يَحْرُم الْكَثِير مِنْهُ لِإِضْرَارِهِ لَا لِكَوْنِهِ مُسْكِرًا. وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن قُطْب الْقَسْطَلَّانِيُّ: الْجَوْز الطِّيب وَالزَّعْفَرَان وَالْبَنْج وَالْأَفْيُون هَذِهِ كُلّهَا مِنْ الْمُسْكِرَات الْمُخَدِّرَات.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: إِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاء لَا تَحْرُم إِلَّا لِمَضَرَّتِهَا الْعَقْلَ وَدُخُولهَا فِي الْمُفَتِّر الْمَنْهِيّ عَنْهُ.
وَقَالَ الْقَزْوِينِيّ: الزَّعْفَرَان الزَّائِد عَلَى الدِّرْهَم سُمّ قَاتِل.
قُلْت: وَالصَّحِيح مِنْ هَذِهِ الْأَقَاوِيل قَوْل الْعَلَّامَة الْأَرْدَبِيلِيّ وَالزَّرْكَشِيّ، وَقَدْ أَطْنَبَ الْكَلَام وَأَفْرَطَ فِيهِ الشَّيْخ الْفَقِيه اِبْن حَجَر الْمَكِّيّ فِي كِتَابه الزَّوَاجِر عَنْ اِقْتِرَاف الْكَبَائِر، فَقَالَ الْكَبِيرَة السَّبْعُونَ بَعْد الْمِائَة أَكْل الْمُسْكِر الطَّاهِر كَالْحَشِيشَةِ وَالْأَفْيُون وَالشَّيْكَرَان بِفَتْحِ الشِّين =
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 379
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست