responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 272
وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ إِلاَّ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ» [1].
فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُجَاهِدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ: فَكَيْفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْجِهَادِ بِعِوَضِ الْمِثْلِ؟!
وَالْعَاجِزُ عَنْ الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ بِمَالِهِ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالْجِهَادِ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (16) سورة التغابن، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [2].

[1] - صحيح مسلم برقم (4869)
[2] - صحيح البخارى برقم (7288) ومسلم برقم (3321)
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «دَعُونِى مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 339)
قَوْله (فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْء فَاجْتَنِبُوهُ) فِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن زِيَاد " فَانْتَهُوا عَنْهُ " هَكَذَا رَأَيْت هَذَا الْأَمْر عَلَى تِلْكَ الْمُقَدِّمَة وَالْمُنَاسَبَة فِيهِ ظَاهِرَة، وَوَقَعَ فِي أَوَّل رِوَايَة الزُّهْرِيِّ الْمُشَار إِلَيْهَا " مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ " فَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا النَّوَوِيّ فِي الْأَرْبَعِينَ، وَعَزَا الْحَدِيث لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِم، فَتَشَاغَلَ بَعْض شُرَّاح الْأَرْبَعِينَ بِمُنَاسَبَةِ تَقْدِيم النَّهْي عَلَى مَا عَدَاهُ وَلَمْ يَعْلَم أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّف الرُّوَاة، وَأَنَّ اللَّفْظ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيّ هُنَا أَرْجَح مِنْ حَيْثُ الصِّنَاعَة الْحَدِيثِيَّةِ لِأَنَّهُمَا اِتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاج طَرِيق أَبِي الزِّنَاد دُون طَرِيق الزُّهْرِيِّ وَإِنْ كَانَ سَنَد الزُّهْرِيِّ مِمَّا عُدَّ فِي أَصَحّ الْأَسَانِيد، فَإِنَّ سَنَد أَبِي الزِّنَاد أَيْضًا مِمَّا عُدَّ فِيهَا فَاسْتَوَيَا، وَزَادَتْ رِوَايَة أَبِي الزِّنَاد اِتِّفَاق الشَّيْخَيْنِ، وَظَنَّ الْقَاضِي تَاج الدِّين فِي شَرْح الْمُخْتَصَر أَنَّ الشَّيْخَيْنِ اِتَّفَقَا عَلَى هَذَا اللَّفْظ، فَقَالَ: بَعْد قَوْل اِبْن الْحَاجِب النَّدْب أَيْ اِحْتَجَّ مَنْ قَالَ إِنَّ الْأَمْر لِلنَّدْبِ بِقَوْلِهِ " إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اِسْتَطَعْتُمْ " فَقَالَ الشَّارِح: رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَلَفْظهمَا " وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اِسْتَطَعْتُمْ " وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ لَفْظ مُسْلِم وَحْده وَلَكِنَّهُ اِغْتَرَّ بِمَا سَاقَهُ النَّوَوِيّ فِي الْأَرْبَعِينَ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا النَّهْي عَامّ فِي جَمِيع الْمَنَاهِي، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا يُكْرَه الْمُكَلَّف عَلَى فِعْله كَشُرْبِ الْخَمْر وَهَذَا عَلَى رَأْي الْجُمْهُور، وَخَالَفَ قَوْم فَتَمَسَّكُوا بِالْعُمُومِ فَقَالُوا: الْإِكْرَاهُ عَلَى اِرْتِكَاب الْمَعْصِيَة لَا يُبِيحهَا، وَالصَّحِيح عَدَم الْمُؤَاخَذَة إِذَا وُجِدَتْ صُورَة الْإِكْرَاه الْمُعْتَبَرَة، وَاسْتَثْنَى بَعْض الشَّافِعِيَّة مِنْ ذَلِكَ الزِّنَا، فَقَالَ: لَا يُتَصَوَّر الْإِكْرَاهُ عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ التَّمَادِي فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا مَانِع أَنْ يُنْعِظ الرَّجُل بِغَيْرِ سَبَب فَيُكْرَه عَلَى الْإِيلَاج حِينَئِذٍ فَيُولِج فِي الْأَجْنَبِيَّة، فَإِنَّ مِثْل ذَلِكَ لَيْسَ بِمُحَالٍ، وَلَوْ فَعَلَهُ مُخْتَارًا لَكَانَ زَانِيًا فَتَصَوَّر الْإِكْرَاه عَلَى الزِّنَا، وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ لَا يَجُوز التَّدَاوِي بِشَيْءٍ مُحَرَّم كَالْخَمْرِ، وَلَا دَفْع الْعَطَش بِهِ، وَلَا إِسَاغَة لُقْمَة مَنْ غَصَّ بِهِ؛ وَالصَّحِيح عِنْد الشَّافِعِيَّة جَوَاز الثَّالِث حِفْظًا لِلنَّفْسِ فَصَارَ كَأَكْلِ الْمَيْتَة لِمَنْ اُضْطُرَّ، بِخِلَافِ التَّدَاوِي فَإِنَّهُ ثَبَتَ النَّهْي عَنْهُ نَصًّا، فَفِي مُسْلِم عَنْ وَائِل رَفَعَهُ إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاء، وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء رَفَعَهُ " وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ " وَلَهُ عَنْ أُمّ سَلَمَة مَرْفُوعًا إِنَّ اللَّه لَمْ يَجْعَل شِفَاء أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْعَطَش فَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِع بِشُرْبِهَا وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّدَاوِي وَاللَّهُ أَعْلَم، وَالتَّحْقِيق أَنَّ الْأَمْر بِاجْتِنَابِ الْمَنْهِيّ عَلَى عُمُومه مَا لَمْ يُعَارِضهُ إِذْن فِي اِرْتِكَاب مَنْهِيّ كَأَكْلِ الْمَيْتَة لِلْمُضْطَرِّ، وَقَالَ =
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 272
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست