اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 143
والمقصود أن هذه صور مختلفة جداً ولا يجوز البتة في النظر الفقهي الصحيح أن يطلق حكم واحد على جميع ما يحتمله اللفظ العام من الصور والمعاني مع اختلاف أحوالها، إذا كان مناط التحريم أو الإباحة يختلف باختلاف تلك الصور.
ولا أريد أن أتعرض هنا لمظاهرات العنف فإن تحريمها ما لم تكن ضد عدو في أرض حرب مثل الأرض المحتلة في فلسطين وما يشبهها، وما في حكمها مثل الخروج على الحاكم الكافر، وتحريمها واضح لا يحتاج إلى بيان، وإنما المقصود مناقشة من يحرمها مطلقاً وان كانت سلمية مقصدها إعلامي يهدف إلى ممارسة الضغط المعنوي فحسب.
هذا وقد سلك المحرِّمون لهذه الوسائل وإن كانت سلمية يسمح بها النظام ثلاث طرق:
الأولى: دخولها في عموم النصوص المحرمة للتشبه بالكفار.
الثانية: دخولها في عموم النصوص المحرمة للإحداث في الدين لأنها لم توجد في العصر الأول.
الثالثة: الاحتجاج بقاعدة سد الذرائع، إذ هذه الوسائل ذريعة لوقوع منكر أكبر مما يراد إزالته بها غالبا، ومعلوم أن الحكم إنما يعلق على غالب الأحوال لأنه مثار غالب الظن الذي تنبني عليه أحكام الفروع.
أما الطريق الأولى: فالاحتجاج بها ضرب من الغفلة عند أهل التحقيق ذلك أن الوسائل والصناعات والعادات المحضة ونحوها، إذا عمت في الناس يفعلها المسلمون والكفار، ولم تختص بالكفار بحيث تصير شعاراً لهم خاصة دون غيرهم، فإنها لا تدخل في تحريم التشبه بالكفار إذ لا يتحقق فيها هذا المعنى، ولا يصدق عليها اللفظ والمبنى.
فالوسائل - ما لم تكن محرمة بعينها أو صارت شعاراً للكفار دون سواهم - فلا بأس من الاستفادة منها في مقاصد الشريعة، كما أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في النفع الذي يفعله المسلم والكافر كالبناء والخياطة والنسيج والصناعة ونحو ذلك أنه يجوز أخذه من غير المسلم [1] ,وذكر أنه لهذا أجاز المسلمون استعمال القوس الفارسية بعد فتح فارس في عهد عمر رضي الله عنه لأنهم وجدوها أفضل من العربية، وكذلك كان الصحابة ومن بعدهم من المسلمين يلبسون الملابس التي وردت من بلاد الكفار، وقد استفادوا بعد الفتح بعض التنظيمات الإدارية من الكفار [2].
ومعلوم أن الصناعات والتنظيمات الإدارية - على سبيل المثال - التي أنشأها غير المسلمين، قد تصير وسائل لإنكار المنكر والدعوة إلى الله تعالى، وفي هذا العصر تداخلت الوسائل الإدارية والمادية التي تنظم شؤون الناس بصورة لم يسبق لها مثيل، ولا يكاد شيء منها يختص بجنس من البشر حتى يقال أنه من عمل الكفار دون المسلمين، ولهذا تجد المانعين لمثل هذه الوسائل (المظاهرات السلمية ونحوها) [1] - ينظر الفتاوى 30/ 206 [2] - ينظر التفسير الكبير لابن تيميه 7/ 547،548 وينظر أيضاً مجموع الفتاوى 31/ 85
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 143