اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 142
ويستفاد من هذه الحادثة عناية العلماء برسالة الإصلاح في المجتمع، سواء كانت إصلاح الأخلاق أو الاقتصاد كما يدل على ذلك تقدمهم بإصلاح نظام النقد، كما يستفاد منها تعاون العلماء والمصلحين فيما يتفقون عليه - بالرغم من الخلاف المشهور بين الحنابلة والشافعية - لتحقيق المصلحة العامة للإسلام، واستعمالهم وسيلة الاعتصام إذا أمنت الفتنة والمفسدة الراجحة، وحققت مصلحة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هذا وقد منع بعض المعاصرين استعمال هذه الوسائل العصرية التي تسمى وسائل الاحتجاج السلمي كالإضراب والاعتصام والمسيرة السلمية مطلقاً، وقبل أن ننقد هذا الرأي الذي نراه مجانباً للصواب من جهة إطلاقه، نذكر قاعدة اتفق عليها العلماء، وحاصلها أنه لا يصح في مناهج أهل التحقيق الخوض في الأحكام الشرعية، قبل تفصيل القول في الألقاب والأسماء التي تتعلق بها هذه الأحكام، وتبيين ما كان منها من مجمل يحتمل عدة معان حتى لا تشتبه الأحكام المختلفة، لاشتباه معاني متعلقاتها.
فعلى سبيل المثال لفظ المظاهرات، قد حدث فيه اشتباه بسبب الإجمال، فهو ربما أطلق وأريد به إثارة الشغب والفوضى والفساد، وغالب ما يتبادر إلى ذهن العامة هذا المعنى، ويطلق ويراد به أي صورة من صور التجمهر ولو لم يكن فيه غير الاعتصام في موضع معين، ويطلق ويراد به اجتماع الناس لسماع الخطب وما يسمى هذه الأيام المهرجان الخطابي، ويطلق ويراد به ما يسمَّى المسيرة السلمية وهي أن يخرج الناس يسيرون بأعداد كبيرة للاحتجاج على أمر ما أو المطالبة بأمر ما، وقد تكون على صورة اتباع جنازة يتعمد متبعوها أن يسار بها علناً لمسافة طويلة ويحشد لاتباعها عدد كبير من المشيعين في رسالة احتجاج تتعلق بحدث اقترن بهذه الجنازة، وكل هذه الصور قد تحدث بإذن السلطات أو بغير ذلك، بل قد تكون بأمر السلطات، وقد تحدث في بلاد الإسلام تحت إمامة شرعية، وقد لا تكون كذلك، بل تكون في أرض العدو الذي لا يمكن قتاله بالسلاح كما في فلسطين، أو في بلاد الكفار الذين اعتادوا على ذلك وسمحوا به مثل بلاد الغرب.
وقد تصاحبها المنكرات كاختلاط الرجال والنساء لأنها مما لا يمكن السيطرة عليها، وقد يترتب عليها مفسدة راجحة، وقد يحدث الضد، فيترتب عليها مصالح عظيمة للدعوة.
وبعضها يقصد به إثارة الشغب والفوضى ويستعمل فيها العنف - كما أشرنا- لإسقاط النظام أو إسقاط الثقة به ليؤدي إلى الثورة ضده.
وغالبها يقصد بها استحثاث وسائل الإعلام، لاستدعاء الرأي العام العالمي أو المحلي لقضية يرى أصحابها أنها لا تحظى بالاهتمام المطلوب الذي يتوقع أن يؤدي إلى حلها، وغالباً ما يحدث هذا النوع في الأنظمة التي تسمح بوسائل الاحتجاج السلمية مثل الكويت، فقد نصت المادة 44 من دستورها على ذلك صراحة.
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 142