اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 144
محتجين بأنها تشبه بالكفار لابد أن يتناقضوا تناقضاً بيناً، فهم يستعملون من الوسائل الحادثة ما لا يعد كثرة حتى ما ورد في أصله التحريم مثل التصوير ونحو ذلك ويجيزونه في بعض وسائل الدعوة، بل ما يسمَّى فن الصحافة إنما نشأ في بلاد الكفار ثم عم في الناس، وسائر وسائل الإعلام وفنونه التي أضحت اليوم من أهم وسائل الدعوة، يستعملون هذه الوسائل الحادثة التي اخترعها غير المسلمين وانتشرت فيهم قبل أن تصل إلى بلاد الإسلام، ثّمَّ يحرمون وسائل الاحتجاج في العمل النقابي لأنها من بلاد الكفار فتأمل هذا التناقص العجيب.
فضلاً عن استعمال بعض هؤلاء المتناقضين الذين يحرمون الشيء، ويبيحون لأنفسهم نظيره، النظم الإدارية التي أحدثها غير المسلمين، حتى تنظيماتهم الدعوية وما تستدعي من نظم داخلية، وبعض هؤلاء المتناقضين يستبيح لنفسه طلب علوم الشرع في بلاد الكفرة وفي جامعات النصارى لِيُزَكُّوُهُ في علم شريعة الإسلام!!
وبعضهم لا يرى غضاضة في دراسة الشريعة بنظام الماجستير والدكتوراه وهو في الأصل نظام أحدثه غير المسلمين، وغيرهم يرى وجوب دخول البرلمانات التي هي أوروبية المنشأ، وغير ذلك من الصور ما لا يحصى، والصواب أن هذا كله داخل فيما يباح بالبراءة الأصلية، فإن صار وسيلة لخير أو شر دخل في قاعدة الوسائل لها حكم المقاصد، وإنما لم تدخل هذه الوسائل في عموم النهي عن التشبه بالكفار لأنها ليست شعاراً لهم ولا مختصة بهم، بل عامة في الناس يفعلها المسلم والكافر في جميع بقاع الأرض وقد صارت من جنس الصناعات، وما كان مختصاً بهم قد يجوز للضرورة أو لارتكاب أخف الضررين أيضاً
هذا مع أنه لا يسلم البتة - كما سيأتي بيانه بالأدلة والوقائع التاريخية - أن هذه الوسائل الاحتجاجية السلمية لم يعرفها المسلمون في تاريخهم، بل هو خطأ محض لا يقوله من يعرف التاريخ الإسلامي، ولا من تأمل في سنن الحياة، إذ لا معنى لاختصاص الكفار بأمر يتولد من النظام الاجتماعي نفسه , وتستدعيه نفس طبائع بني آدم في اجتماعهم.
الطريقة الثانية: التي اعتمد عليها من حرم المظاهرات وغيرها من الوسائل السلمية في الاحتجاج أو التعبير عن الرأي هي دخولها في عموم النصوص الناهية عن الإحداث في الدين لأنها لم تكن في العصر الأول، ولنا مسلكان في إبطال هذه الطرق:
الأول: إبطال الحجة من رأسها ببيان أن الوسائل العصرية التي يتوصل بها إلى الدعوة وإنكار المنكرات لا تدخل في الإحداث في الدين.
الثاني: بيان أن هذه الوسائل كانت في العصور الأولى بل نص عليها بعض الأئمة، واشتهرت ولم تنكر، فدل على أنها ليست محدثة أصلاً.
أما المسلك الأول: فحاصله إن الإحداث في الدين يقصد به عند العلماء التقرب إلى الله تعالى بعبادة لم يشرعها، وهي البدع التي عَظُمَ نكِيْرُ السلف على فاعلها والتحذير منها، حتى عدّوها أشد خطراً من
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 144