اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 134
ولهذا ورد في السنة كما في صحيح مسلم أن من الخِلال الحسنة في الروم كونهم أمنع الناس لظلم الملوك [1]، ولما كانت هذه الخُلة الجميلة فيهم، لا يكاد يسلط عليهم ظالم من أنفسهم يستبيحهم كما يحدث عند غيرهم.
كما أن مقصود (سلمان) رضي الله عنه أيضاً - والله أعلم - الإشارة إلى أن من حق أهل الحل والعقد محاسبة الحاكم ومراقبته على نفقاته ودخله، وهو ما يسمى هذه الأيام (الوضع المالي للدولة الذي يشرف عليه ديوان المحاسبة)،ولم يعرف التاريخ في ذلك الوقت، ولا بعده بقرون مديدة، مثل هذا الوعي السياسي إلا في الفقه الإسلامي، فليقرأ الذين أعماهم الإعجاب بثقافة الغرب في الناحية السياسية ما في هذا الدين العظيم من تأسيس مبادئ الإصلاح السياسي للمجتمع قبل أن يعرفه العالم بأسره بقرون متطاولة، بل نجزم بأن ما لدى غير المسلمين من مبادئ السياسة الصحيحة في إصلاح الراعي والرعية، إنما أخذ من المسلمين بعد احتكاك أوروبا بالثقافة الإسلامية.
ولا ريب أن في التاريخ نماذج كثيرة غير أننا نكتفي بهذا المثال، ولا ريب أن جميع الوسائل العصرية - حتى لو كانت مقتبسة في الأصل من غير المسلمين - إذا لم تكن محرمة لذاتها وصارت وسيلة لتحقيق مبدأ محاسبة أهل الحل والعقد للحاكم، لضمان عدم انحراف السلطة، إنها مشروعة ومطلوبة في الفقه الإسلامي السياسي.
ولعل الشريعة قد أومأت إلى هذا المبدأ النافع العظيم، في فقه الصلاة نفسها، والتي هي عمود هذا الدين، ومعلوم أن الصلاة نموذج يشير إلى علاقة السلطة بالرعية، وقد فهم الصحابة رضي الله عنهم هذه العلاقة عندما قالوا عن الصديق (اختاره النبي - صلى الله عليه وسلم - لِدِيِنِنَا أفلا نختاره لدنيانا) [2] وقد ذكر غير واحد من العلماء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشار إلى تولية الصديق الخلافة، بتأكيد على توليته إمامة الصلاة، وذلك من باب القياس والاعتبار. [1] - صحيح مسلم برقم (7461) عن مُوسَى بْنِ عُلَىٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِىُّ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ». فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو أَبْصِرْ مَا تَقُولُ. قَالَ أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالاً أَرْبَعاً إِنَّهُمْ لأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ. تحفة 11259 - 2898/ 35 [2] - الطَّبَقَاتُ الْكُبْرَى لِابْنِ سَعْدٍ >> طَبَقَاتُ الْبَدْرِيِّينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ >> برقم (3157) قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الهُذَلِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ:" لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَظَرْنَا فِي أَمْرِنَا، فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ، فَرَضِينَا لِدُنْيَانَا مَنْ رَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِدِينِنَا، فَقَدَّمْنَا أَبَا بَكْرٍ "
فَضَائِلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ برقم (188) عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، وَسَأَلْنَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: امْرُؤٌ سَمَّاهُ اللَّهُ الصديق عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَكَانَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الصَّلَاةِ فَرَضِيَهُ لِدِينِنَا وَرَضِينَاهُ لِدُنْيَانَا وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ * وفي أسانيدها ضعف
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 134