responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 135
ثم انك إذا اعتبرت ذلك فقها، علمت ما أوتيه صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفقه العميق، والنظر الدقيق، وبيانه أننا وجدنا الإمام في الصلاة، يليه أولو الأحلام والنهى كما قد صح في الحديث [1]،وهم بإزاء أهل الحل والعقد في النظام السياسي.
وعلى المأمومون أن يختاروا لإمامتهم أقومهم بأمر الصلاة كما صح في الأحاديث، وكذلك الأمة تختار للإمامة العظمى أقومها بها بصيرة في الدين وقوة في سياسة الدنيا به، كما قال تعالى: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) [ص/45]).
ثم الإمام مقيد بأداء الصلاة كما في الشرع، ليس له أن يتجاوز ذلك، وكذلك الإمام في النظام السياسي مقيد بممارسة مهامه وفق الشريعة ليس له أن يتجاوز ذلك، فإذا بدر من الإمام خطأ في الصلاة نُبِّه على ذلك - علناً لا سراً - ممن يليه وهو مقصود اختيارهم لهذا الموضع، وذلك لأن الخطأ هنا يتعدَّى لغيره وليس قاصراً على نفسه حتى يسرَّ إليه بالنصيحة، وكذلك في النظام السياسي، يوضع أهل الحل والعقد وراء الإمام لينبهوه إذا أخطأ، فإن فعل ما يقتضي بطلان الصلاة عامداً فارقه المصلون إذ قد بطلت صلاته، وكذلك في النظام السياسي إن أبطل الشريعة (دستور الدولة الإسلامية).
فهذا بإزاء هذا، وذاك بإزاء ذلك {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء، فتدير عظمة هذا الدين والله الموفق.
الوسيلة الثانية: حرية الكلمة والتعبير عن الرأي:
ومن صورها العصرية حرية الصحافة، وكالحصانة التي يعطيها المجلس النيابي لأشخاص ينتخبهم الشعب، ولهم الحق في النقد العلني والمحاسبة والانتقاد لكبح جماح السلطة.
وأصل ذلك في الفقه الإسلامي ضمان بذل النصيحة وبقاؤها حقًّا عامًّا للرعية لا يجوز مصادرته من قبل السلطة ما دام في دائرة الكلمة الحرة، كما صح في الحديث عن تميم الداري رضي الله عنه مرفوعاً: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا لِمَنْ قَالَ «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه مسلم [2].
ولهذا وجدنا في الأحاديث أعلى درجات الحض على العمل بهذا المبدأ، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل أفضل المسلمين عملاً من ينتقد السلطة إذا جارت كما روى النسائي عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ وَضَعَ رِجْلَهُ فِى الْغَرْزِ أَىُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ قَالَ «كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» [3].

[1] - صحيح مسلم برقم (693) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ:" اسْتَوُوا، وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ "
[2] - صحيح مسلم برقم (205)
[3] - سنن النسائى برقم (4226) صحيح
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 135
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست