اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 132
ومن ذلك ما ذكره ابن القيم في أعلام الموقعين [1]: (أن عمر رضي الله عنه وقف في الناس وعليه ثوبان فقال: أيها الناس ألا تسمعون؟ فقال سلمان الفارسي: لا نسمع، فقال عمر: ولم يا أبا عبد الله؟،قال: إنك قسمت علينا ثوباً ثوباً وعليك ثوبان، فقال لا تعجل، يا عبد الله، يا عبد الله، فلم يجبه أحد، فقال يا عبد الله بن عمر، فقال: لبيك يا أمير المؤمنين , فقال: نشدتك الله الثوب ائتزرت به أهو ثوبك، قال: نعم، اللهم نعم، فقال سلمان: أما الآن فقل نسمع).
ويبدو لي - بغض النظر عن مدى صحة إسناد هذه القصة حيث لا أعلم درجته من حيث الرواية - لكن استئناساً بنقل العلماء لهذه القصة مقرين لها مستدلين بها على مبدأ محاسبة الحاكم مما يدل على سلامة المبدأ من حيث الجملة علماً بأن الأدلة على ذلك أكثر من أن تحصر أصلاً، يبدو لي أنه ليس مقصود (سلمان) رضي الله عنه إباحة التمرد على السلطة، وشق وحدة الأمة بسبب أدنى مخالفة، بل مقصوده - والله أعلم - الإيماء إلى حقيقة أن الإخلال بالمبادئ من قبل الحاكم سيؤدي إلى إخلال الرعية بالطاعة، وهذه قاعدة لا تتخلف قدراً أيضاً، وذلك من الميزان الذي وضعه الله تعالى وأنزل به الكتاب، وهذا من عظيم الفقه الذي تميز به سلف هذه الأمة حيث كانوا يعبرون عن المعاني والمفاهيم الكبيرة العظيمة بأوجز الألفاظ أو بالمواقف أحياناً، وكما قال ذلك الصحابي الجليل لعمر رضي الله عنه لما تعجب من تبليغ المسلمين الأموال العظيمة القدر من الغنائم غير منقوصة بريئة من الخيانة، فقال له تقريراً للقاعدة السالفة: (عففت يا أمير المؤمنين فعفت الرعية) [2].
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى [3]: وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا اسْتَقَامَ " وُلَاةُ الْأُمُورِ " الَّذِينَ يَحْكُمُونَ فِي النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ اسْتَقَامَ عَامَّةُ النَّاسِ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ لِلْمَرْأَةِ الأحمسية لَمَّا سَأَلَتْهُ فَقَالَتْ: قَالَتْ مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الأَمْرِ الصَّالِحِ الَّذِى جَاءَ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ بَقَاؤُكُمْ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَامَتْ بِكُمْ أَئِمَّتُكُمْ [4]. " وَفِي الْأَثَرِ {صِنْفَانِ إذَا صَلَحُوا صَلَحَ النَّاسُ: الْعُلَمَاءُ وَالْأُمَرَاءُ} [5] أَهْلُ الْكِتَابِ وَأَهْلُ الْحَدِيدِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا [1] - (2/ 180) و إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 278) [2] - فَضَائلُ الصِّحَابَةِ للدَّارَقُطْنِيِّ برقم (19) و السِّيَرُ لِأَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ برقم (221) [3] - مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 2 / ص 378) ومجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 344) [4] - صحيح البخارى برقم (3834) عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ قَالَ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَحْمَسَ يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ، فَرَآهَا لاَ تَكَلَّمُ، فَقَالَ مَا لَهَا لاَ تَكَلَّمُ قَالُوا حَجَّتْ مُصْمِتَةً. قَالَ لَهَا تَكَلَّمِى، فَإِنَّ هَذَا لاَ يَحِلُّ، هَذَا مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ. فَتَكَلَّمَتْ، فَقَالَتْ مَنْ أَنْتَ قَالَ امْرُؤٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. قَالَتْ أَىُّ الْمُهَاجِرِينَ قَالَ مِنْ قُرَيْشٍ. قَالَتْ مِنْ أَىِّ قُرَيْشٍ أَنْتَ قَالَ إِنَّكِ لَسَئُولٌ أَنَا أَبُو بَكْرٍ. قَالَتْ مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الأَمْرِ الصَّالِحِ الَّذِى جَاءَ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ بَقَاؤُكُمْ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَامَتْ بِكُمْ أَئِمَّتُكُمْ. قَالَتْ وَمَا الأَئِمَّةُ قَالَ أَمَا كَانَ لِقَوْمِكِ رُءُوسٌ وَأَشْرَافٌ يَأْمُرُونَهُمْ فَيُطِيعُونَهُمْ قَالَتْ بَلَى. قَالَ فَهُمْ أُولَئِكَ عَلَى النَّاسِ. [5] - الْعَادِلِينَ مِنَ الْوُلَاةِ برقم (33) والحلية برقم (4985) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:" اثْنَانِ مِنَ النَّاسِ إِذَا صَلَحًا صَلَحَ النَّاسُ، وَإِذَا فَسَدَا فَسَدَ النَّاسُ: الْعُلَمَاءُ وَالْأُمَرَاءُ " * وفي سنده الاسم: محمد بن زياد اليشكرى الطحان الرقى ثم الكوفى و يقال الجندى، متهم
قلت: ومعناه صحيح بلا ريب
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 132