اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 98
ولكنها انقلبت -في فترة وجيزة من الزمن- فأصبحت كل هؤلاء!
وحقيقة أن من أراد يستخرج منها إيحاءات فلسفية أو غير فلسفية فإنه يستطيع..
فالنظرية التي تقرر حيوانية الإنسان وماديته "بمعنى أن الظروف المادية المحيطة به هي التي أثرت في "تطوره" وإعطائه صورته" والتي تنفي القصد والغاية من خلقه، وتنفي التكريم الرباني له بإفراده بين الكائنات الأخرى بالعقل والقدرة على الاختيار والقدرة على التمييز فضلا عن المزايا الأخرى "الإنسانية".
إن نظرية كهذه يمكن أن تعطي إيحاءات خطيرة في كل اتجاه..
فحين يكون الإنسان حيوانا أو امتدادا لسلسلة التطور الحيواني فأين مكان العقيدة في تركيبه، وأين مكان الأخلاق وأين مكان التقاليد الفكرية والروحية والأخلاقية والاجتماعية.. إلخ؟!
وحين يكون حيوانا. أو امتدادا لسلسلة التطور الحيواني، فما مقياس الخطأ والصواب في أعماله؟ وكيف يقال عن عمل من أعماله إنه حسن أو قبيح، جائز أو غير جائز.. بعبارة أخرى كيف يمكن إعطاء قيمة أخلاقية لأعماله؟
وحين يكون حيوانا أو امتدادا لسلسلة التطور الحيواني فما معنى "الضوابط" المفروضة على سلوكه؟ وما معنى وجود الضوابط على الإطلاق1؟
كل تلك إيحاءات يمكن أن تستخرج من النظرية لمن أراد أن يصطاد في الماء العكر! ولكننا إذا نظرنا إلى الواقع وجدنا أن أحدا لم يصنع ذلك سوى اليهود!! هم الذين استخرجوا هذه الإيحاءات كلها التي لم يقلها دارون، وربما لم يفكر فيها أبدا، ولكنهم أسرعوا إلى اقتناصها، وأنشئوا منها نظريات "علمية" اقتصادية ونفسية واجتماعية ... إلخ موجهة كلها لمحاربة الدين والأخلاق والتقاليد.
وكانت فكرة "التطور" ذاتها من أشد ما لعب به اليهود لزلزلة عقائد "الأممين" وتقويضها. فقد ضخموا تلك الفكرة أي تضخيم وصنعوا منها
1 قالت الداروينية الحديثة -فيما بعد- إن الضوابط موجودة في الكيان "البيولوجي" للإنسان، في تركيب مخه وجهازه العصبي، وإنه متفرد بهذا عن الحيوان! ومع ذلك يرفضون الدين!
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 98