responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 99
قذائف يطلقونها على كل معنى "ثابت" في حياة البشرية من دين أو قيم أو أخلاق.
والحق -مرة أخرى- أنهم لا ينشئون الأحداث ولكنهم يتحينون الفرص ويستغلون الأحداث.
لقد كان الخلل الفكري في حياة أوروبا في ظل سيطرة الكنيسة الفكرية هو الذي رشح للهزة التي أصابت هذا الفكر يوم أطلقت عليه فكرة التطور، فقد كان كل شيء في حس أوروبا المسيحية الكنسية ثابتا منذ الأزل وسيظل ثابتا إلى الأبد.. ليست فكرة الألوهية فقط هي التي ينطبق عليها تصور الثبات، ولا القيم الدينية والأخلاقية وحدها. ولكن الجبال والشجر والحيوان والطير. والأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. وكل شيء في الحياة.
البابا هو البابا ذو القداسة، يذهب واحد ويجيء الآخر، ولكن البابوية ذاتها وقداستها أمر ثابت لا يتغير.
الملوك والأباطرة هم الملوك والأباطرة.. يذهب منهم من يذهب ويجيء من يجيء.. ولكن الملكية ذاتها أمر ثابت لا يتغير.
الإقطاع هو الإقطاع.. يذهب أمير ويجئ أمير.. بنفس الصورة، ونفس المعاملة، نفس السيادة من جهة والعبودية من الجهة الأخرى.. وكلها أمور ثابتة لا تتغير..
من ثم غلب على الفكر الأوروبي المسيحي الكنسي تصور الثبات في كل شيء.
فلما وقعت الثورة الفرنسية وأزالت الإقطاع والملكية وزلزلت نفوذ الكنيسة كان ذلك حدثا حادا في تاريخ أوروبا أثر تأثيرا عميقا في كل اتجاه، ولكنه كان قمينا -بعد فترة من الزمن- أن يفقد حدته، ويستقر على صورة فيها لون من "الثبات".
ولكن دارون جاء فأطلق قذيفته على أمر لم تهزه حتى الثورة الفرنسية ذاتها، التي زلزلت كثيرا من الأوضاع في أوروبا، فقال إن الخلق ذاته غير ثابت، وإن الإنسان لم يكن إنسانا حين وجد أول مرة بل كان شبيها بالحيوان! وبين الشد والجذب الذي تعرضت له النظرية أمسك اليهود بالخيط فجذبوه بعيدا بعيدا في كل اتجاه لكي لا يعود!
وبسرعة -شريرة- وجهوا القذيفة إلى فكرة "الثبات" ذاتها وقالوا -من طريق استخدام فكرة "التطور"- إنه لا شيء ثابت على الإطلاق. وإن طلب

اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 99
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست