اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 97
إنما قال بدلا منه إن "الطبيعة" هي التي خلقت. وقال إنها تخبط خبط عشواء. وقال إنه يرفض تفسير نشوء الحياة وتطورها بإرجاع ذلك إلى الإرادة الإلهية؛ لأن ذلك خلط علمي غير جائز، وإنه بمثابة إدخال عنصر خارق للطبيعة في وضع ميكانيكي بحت! ثم تحايل على الحرج الذي يواجهه ويواجه كل منكر للإرادة الإلهية في قضية الخلق كله، وخلق الحياة أول مرة من الموات، والذي يوجه إليه هذا التحدي: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [1] تحايل على ذلك تحايلا سخيفا -من وجهة النظر العلمية البحتة- فقال إن الحياة نشأت صدفة على الأرض!!
ومن ثم وجدت فيه اليهودية المتربصة فرصة سانحة لتقويض عقائد "الأمميين" وإزالة ما بقي من أثر للدين في حياة الناس!
وينبغي -لكي ندرك دور اليهود في إفساد أوروبا دون تهويل في تقدير مقدرتهم الشريرة كما فعل وليم كار, أن نقول إن عالما سابقا هو "لامارك" la marke كان قد قال شيئا قريبا مما قال دارون، ولكن اليهود لم يستطيعوا استغلال نظريته لتقويض عقائد الأمميين كما فعلوا بنظرية دارون؛ لأن الحدث العظيم الذي رج المجتمع الأوروبي كله -وهو الثورة الفرنسية- لم يكن قد وقع بعد، وكان المجتمع -على كل ما كان يحمل من الفساد والظلم- ما يزال متماسكا بالصورة التي لا تدع لليهود فرصة الدخول، فعجزوا يومئذ عن الدخول! ولكن الرجة التي أحدثتها الثورة الفرنسية -التي اشتركوا هم في توجيهها وجهة معينة- هي التي قربت الهدف وأحدثت الثغرات التي يمكن أن ينفذوا منها. فلما قام دارون تلقفوه وأمسكوا به معولا هائلا لتحطيم كل القيم في حياة البشرية.
أيا كان القول في نظرية دارون من الوجهة العلمية، فقد كانت نظرية محصورة في "علم الحياة" تحاول أن تفسر نشأة الحياة وتطورها، فلم تكن نظرية فلسفية، ولا سياسية، ولا اقتصادية، ولا اجتماعية، ولا نفسية ... [1] سورة الطور: 35.
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 97