اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 380
فيها الدمى أمام عين الناظر بينما هي في الحقيقة غير متحركة بذاتها، إنما تحركها اليد التي تختفي وراء الستار!
وليس بنا أن نلغي أثر الضغوط التي تقع على الإنسان من خارج كيانه وتؤثر في حركته، سواء كانت ضغوط المادة بمعنى الكون المادي على اتساعه وبمعنى البيئة المحيطة بالإنسان. أو ضغوط الأوضاع الاقتصادية، أو ضغوط المجتمع.. أو أي نوع من الضغوط يقع خارج كيان الإنسان الفرد ويؤثر فيه على غير رغبته ...
ليس بنا أن ننكر شيئا من ذلك كله.. ولكن هذا ليس ما يقوله التفسير المادي للتاريخ في قضية الحتميات..إنما يقول ذلك التفسير إن كل حياة الإنسان مرسومة له من خارج كيانه، ومستقلة عن إرادته، لا يملك أن يقف فيها موقفا يخالف ما تفرضه الحتميات. حتى مشاعره لا يملكها! إنما يكونها له الوضع الاقتصادي على غير إرادة منه: "ليس شعور الناس هو الذي يعين وجودهم ولكن وجودهم هو الذي يعين مشاعرهم" "ماركس" "إن الأسباب النهائية لكافة التغيرات أو التحولات الأساسية لا يجوز البحث عنها في عقول الناس أو في سعيهم وراء الحق والعدل الأزليين، إنما في التغيرات التي تطرأ على أسلوب الإنتاج والتبادل" "إنجلز".
وحتى التغيرات التي تطرأ على أسلوب الإنتاج والتبادل لا تنسب إلى "الإنسان"! كأنما تحدث تلقائيا بغير فاعل!! وكأنما عقل الإنسان ومشاعره ليست -على الأقل- جزءا من عوامل التغيير!
ما الإنسان إذن؟
إنه مجرد "أداة" في يد جبارة ماردة هي الحتميات!
ليس الإنسان هو الذي يصنع التاريخ، ولكن التاريخ "بحتمياته" هو الذي يصنع الإنسان!
ألا ما أبأس الإنسان في ظل التفسير المادي للتاريخ! وما أهون شأنه, وما أهون دوره كذلك! دور الاستسلام الكامل للحتميات التي تصنع له حياته وتصنع له تاريخه "مستقلة عن إرادته"!
وماذا يساوي -مع الجبروت القاهر لهذه الحتميات التي لا تستجيب لشفاعة ولا تحفل ضراعة- أن يكتب في سطر من سطور هذا التفسير أن الإنسان هو سيد هذا الكون، إذا كان كل سطر من سطور هذا التفسير يجعله
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 380