اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 337
كذلك -على نفس المستوى -تكون محاولتنا تفسير الدين والقيم العليا كلها على أسس مادية اقتصادية كما يقول ماركس، أو أسس جنسية كما يقول فرويد، أو أسس من العقل الجمعي المستقل عن كيان الأفراد والمغاير لكيان الأفراد كما يقول دوركايم.
هي محاولة ساذجة مضحكة ولو ألف فيها ألف كتاب. ولو قامت الأبواق اليهودية تروج لها من خلال ألوف الأفواه!
"النفس الإنسانية" هي الأصل الذي نرجع إليه في تفسير الوجود الإنساني والحياة الإنسانية.
وكون هذه "النفس" قابلة للتشكل في أشكال شتى لا يعني أنه ليس لها كيان محدد، ولا حدود تقف عندها في تشكلها، إنما هذه المرونة في قابليتها للتشكل هي ذاتها جزء من مقومات الخلافة التي خلق الله الإنسان ليقوم بها في الأرض.
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} .
فقد علم الخالق اللطيف الخبير الحكيم المدبر -لا ذلك الخالق الأصم الذي يدعيه الماديون، ولا ذلك الذي يخبط خبط عشواء الذي يدعيه دارون- أن تفاعل هذه النفس البشرية مع الكون المادي سينشئ أشكالا مختلفة من الحياة في الأرض، بحسب درجة علم الإنسان بهذا الكون المادي ودرجة سيطرته عليه وقدرته على استخراج طاقاته واستخدامها في عمارة الأرض، لذلك جعل -بحكمته- هذه النفس قابلة للتشكل لتوائم تلك الأشكال المتغيرة، بينما الحيوان والنبات أقل قدرة بكثير على التشكل؛ لأنه لا يحمل أمانة ولا يقوم بخلافة ولا عمارة.
أفينقلب هذا التكريم الرباني والتفضيل إلى نقيصة يوصم بها الإنسان في التفسير المادي للتاريخ فيقال إنه لا "كيان" لهذه النفس البشرية ولا سمات محددة، وإنها تأخذ سمتها وسماتها من الوضع المادي الذي تكون فيه؟
إن الحمار لا يمكن إلا أن يكون حمارا مهما أوقعت عليه من الضغوط لتغيير طبيعته! أفيكون الإنسان أقل أصالة من الحمار في عرف التفسير المادي للتاريخ، في الوقت الذي يزعمون فيه أنه "أعلى تطور في عالم المادة"؟!
إن قضية أصالة "الإنسان"، ووجود سمات أصيلة فيه تحدد طبيعته "الإنسانية" هي قضية فوق الشك، أيا كان المدخل الذي ندخل إليها منه.
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 337