اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 336
تتعرض لتفسير السلوك البشري، وأن "العلماء" الذي يستحقون هذا الوصف ينبغي أن يكونوا أثقل وزنا وأكثر أمانة من أن يعطوا هذه التفسيرات الساذجة، مهما تكن الأغراض الخفية الكامنة وراء هذه التفسيرات.
وسواء كان العنصر الواحد هو الاقتصاد كما قال ماركس. أو هو الجنس كما قال فرويد، أو العقل الجمعي المسيطر على الأفراد من خارج كيانهم كما قال دوركايم، فكلها أضأل وأكذب من أن تفسر الحياة الإنسانية الواسعة الجوانب المتعددة ألوان النشاط. ويكفي أن نجمع هذه التفسيرات الثلاثة بعضها إلى جانب بعض ليتضح لنا أن دعوى كل واحد منهم أن تفسيره هو التفسير "العلمي" الصحيح هي دعوى كاذبة وإن اشتملت على شيء من الحق, فالاقتصاد جانب مهم، والجنس جانب مهم، وخضوع الفرد للتيارات الجماعية جانب مهم، ولكن أيا منها لا يستقل وحده بتوجيه "الإنسان" ووضع معاييره وقيمه كلها جميعا. وأن التفسير الحق للإنسان ونشاطه وقيمه يشمل هذه الأمور الثلاثة كلها، ويشمل غيرها مما أغفله -عمدا- كل واحد من "المفسرين" الثلاثة العظام! وأننا -لكي ننشئ تفسيرا حقيقيا للحياة الإنسانية- لا ينبغي أن نغفل شيئا من مكونات الإنسان على الإطلاق، أو أن نفسر شيئا أصيلا في حياة الإنسان من خلال شيء آخر.
ماذا لو فسرنا الجنس -مثلا- من خلال الاقتصاد، فعزونا المشاعر الجنسية إلى عوامل اقتصادية؟! أي تفسير مضحك يكون هذا التفسير؟! كذلك لو فسرنا الاقتصاد من خلال الجنس، فقلنا إن الدافع الجنسي هو السبب في جميع العمليات الاقتصادية التي يقوم بها الإنسان؟!
أي تفسير مضحك يكون هذا التفسير؟!
والسبب في كونه مضحكا وساذجا ومرفوضا بادئ ذي بدء هو أن كلا من الاقتصاد والجنس عنصر أصيل في كيان الإنسان على ذات الدرجة من الأصالة، فنفي أصالة أيهما وتفسيره من خلال الآخر هو الذي ينشئ تلك السذاجة المضحكة، مع أن هناك ترابطا وتشابكا لا شك فيه بين الاقتصاد والجنس في حياة الإنسان، ذلك أنهما -مع أصالة كل منهما- يصبان في المجرى الكبير الذي يشكل في النهاية حياة الإنسان، ولكن ترابطهما وتشابكهما في المجرى الكبير لا ينفي أن كلا منهما رافد مستقل ذو سمات قائمة بذاتها وذو دفعات قائمة بذاتها.
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 336