responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 335
فإذا ثبت علميا -كما ثبت اليوم- أن المادة حدثت ولم تكن موجودة من قبل، وأنها ليست أزلية أبدية كما زعم التفسير المادي للتاريخ، فقد انهار الأساس الأول الذي افترى افتراء من أجل إقامة التفسير المادي للقيم الإنسانية.
وإذا ثبت علميا -كما هو ثابت منذ قيام شيء اسمه العلم في حياة الإنسان- أن الكائن الحي -كل كائن حي بله الإنسان- يسير على نمط مخالف للمادة غير الحية، وإذا ثبت علميا كذلك -كما هو ثابت من أبحاث الداروينية الحديثة ذاتها- أن الإنسان متفرد عن الحيوان حتى في كيانه الحيوي "البيولوجي" البحت، فضلا عن كيانه العقلي وكيانه النفسي وكيانه الروحي وكل شيء فيه، فقد انهار الأساس الآخر الذي افترى افتراء من أجل الهدف ذاته.
وإذا علمنا أن قصة "تطور" المادة إن هي إلا مهرب -غير علمي- يهرب به الماديون من مواجهة قضية خلق الحياة من الموات، فضلا عما أثبته العلم من أن الموات ذاته مخلوق، وأن الكون المادي قد أنشئ من غير وجود سابق، أي: أنشئ من العدم.
إذا علمنا ذلك فقد انهارت كل "مقومات" التفسير المادي للقيم الإنسانية القائمة على أساس أن المادة أزلية أبدية خالقة "أو متطورة ينتج من تطورها النبات والحيوان والإنسان" وأن الإنسان هو نتاج المادة فحسب.
والتفسير الأصوب فيما يتعلق بالقيم الإنسانية والحياة الإنسانية بأسرها هو أن نرجع فيها إلى "الإنسان". إلى النفس الإنسانية التي هي محور النشاط كله الذي يقوم به الإنسان.
فإذا رجعنا إلى الإنسان كما نراه في عالم الواقع لا في صورته المفتراة بغير دليل علمي، فسنجد للجانب الاقتصادي مكانا واسعا في حياته، ولكنا سنجد في ساحة نفسه مساحات أخرى واسعة لا يشغلها الاقتصاد، وإنما تشغلها قيم أخرى أصيلة أصالة المادة وأصالة الاقتصاد، وسنجد كذلك ظاهرة أخرى لا تقل عن ذلك أهمية، هي أن الإنسان وحدة متكاملة، تتفاعل فيها كل العناصر والمكونات لتعطي في النهاية تعبيرا شاملا هو محصلة العناصر جميعا والمكونات جميعا. وأن أي محاولة لتفسير الإنسان بعنصر واحد من عناصره، أو على ضوء عنصر واحد من عناصره، هي محاولة ساذجة جدا لا تليق بأي "نظرية"

اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 335
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست