اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 331
الكون المادي التي كانت تلجئ الناس من قبل إلى افتراض وجود إله! فأما بعد اكتشاف "قوانين الطبيعة" فلم يعد هناك مبرر للدين، فقد حل محله العلم. ومن جهة أخرى فإن الوضع الاقتصادي الذي كان ينبعث منه سيطرة الأب في الأسرة وسيطرة السيد في المجتمع كان يتناسب كذلك مع سيطرة الرب الإله في الكون والحياة، فإذا زال هذا الوضع فينبغي أن تزول كل آثاره ومن بينها الدين. وعلي أي حال فإذا كانت حاجة الرأسماليين إلى تخدير الجماهير الكادحة قد عوقت زوال الدين فترة من الوقت، فقد جاءت الشيوعية فألغت الرأسمالية وألغت المهمة الأخيرة التي كانت باقية للدين -وهي مهمة التخدير- فأصبح -من جميع الوجوه- غير ذي موضوع، تقدم العلم، وزادت السيطرة على البيئة، ولم يعد الناس في حاجة إلى مخدر ... فلماذا يبقى الدين؟!
يذكرنا هذا بقولة مماثلة: "لجوليان هكسلي" في كتاب "الإنسان في العالم الحديث":
كان الجهل والعجز هما السبب في وجود الدين. وقد تعلم الإنسان اليوم وسيطر على البيئة، فآن له أن يحمل على عاتق نفسه ما كان يلقيه من قبل -في عصر الجهل والعجز- على عاتق الله، ومن ثم يصبح هو الله!
والحق أن الدين عدو لدود للمخططين، كما أنه عدو لدود للماديين الشيوعيين.
فأما عداوة المخططين له فأمرها ظاهر. فالعقبة الكبرى في سبيل استحمار الأمميين هي أن يكونوا ذوي عقيدة وأخلاق مستمدة من الدين، ولقد عرف اليهود ذلك خلال القرون الطويلة من حربهم الدائمة للبشرية وتربصهم بها، وعرفوا -بالتجربة- أنه طالما كان للأمميين عقيدة وأخلاق فلا نتيجة لكل ما يبذلونه من جهد وكل ما يضعونه من تخطيط، وعرفوا أن نجاح مخططاتهم كلها مرهون بمدى نجاحهم في القضاء على هذا العدو المرهوب.
وأما عداوة الماديين الشيوعيين "وهم جزء من المخطط الكبير" فقد نشأت -إلى جانب اشتراكهم في السبب السابق باعتبارهم جزءا من المخطط الكبير- من تجربتهم الخاصة، أن الدين -مع أنه في أوروبا بقايا دين محرف من كل زواياه- يعوق تكوين "الحقد الطبقي" الذي هو عمادهم الأول في تحويل الناس إلى الشيوعية! فقد عانوا في زحفهم على أوروبا من أن الفلاحين بصفة خاصة لا يستجيبون لهم بالسرعة الكافية حين يحاولون تحريك "الحقد
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 331