responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 330
وأخلاقيات الإقطاع -مثلا- من التدين وسيطرة الأب على الأسرة، والمحافظة على العفة والغيرة على العرض، وترابط الأسرة، والتعاون الجماعي، كلها أخلاقيات نابعة من الوضع المادي والاقتصادي ومتناسبة معه، ولكنها ليست قيما قائمة بذاتها توصف بأنها خير ويوصف عكسها بأنه شر.. إنما هي فقط صواب في وقتها؛ لأنها هي الاستجابة الطبيعية للوضع المادي والاقتصادي ... ثم إنها تصبح بعد ذلك خطأ، أو تصبح غير ذات موضوع حين تجيء الرأسمالية ويتكون المجتمع الصناعي "المتطور"! بل تصبح رجعية وجمودا وتأخرا تنبغي محاربته والتحرر منه؛ لأنها لم تعد تستجيب للأوضاع الاقتصادية الجديدة، التي هي المعيار الوحيد الذي تقاس إليه الأمور.
ومحاولة القول بأن الدين قيمة ذاتية فينبغي أن يوجد على الدوام، أو أن العفة قيمة ذاتية ينبغي أن تظل قائمة في كل مجتمع هي سذاجة وغفلة ومثالية من جهة، ومن جهة أخرى هي مخالفة لما هو كائن ولما ينبغي أن يكون؛ لأنه لا وجود لمثل هذه القيم "في ذاتها" إنما تستمد وجودها من الباعث الذي ينشئها وهو الوجود المادي والاقتصادي ... وهذا الباعث دائم التغير لم يثبت -ولا يمكن أن يثبت- على حال، فكيف يثبت ما ينشأ عنه من قيم وأخلاقيات ومعايير؟!
4- السخرية بالدين:
من بين كل القيم يحظى الدين بالقسط الأكبر من سخرية الماديين الشيوعيين، ويبدو حنقهم منه واضحا وثورتهم عليه عظيمة، ورغبتهم في تحطيمه والقضاء عليه شديدة إلى أقصى حد.
فأما أسبابه وبواعثه فهي مادية واقتصادية بحتة: الجهل بطبيعة الكون المادي، والعجز عن السيطرة على البيئة، لذلك كان موجودا طوال فترة الشيوعية الأولى والرق والإقطاع، ثم خفت حدته في المجتمع الصناعي الرأسمالي لولا أن الرأسماليين -بعد الإقطاعيين- يستخدمونه مخدرا للجماهير الكادحة لكيلا تتيقظ إلى حقيقة الظلم والهوان الذي تعانيه وتتمرد عليه وتثور من أجل حقوقها المسلوبة.
ولقد كان "واجب الزوال" منذ بداية العهد الصناعي لزوال بواعثه المادية والاقتصادية، فمن جهة كان العلم قد بدأ يتقدم ويكشف كثيرا من مجاهيل

اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 330
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست