responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 328
- يعتبر في ذاته عقبة في سبيل استحمار الأمميين وتسخيرهم لما يراد تسخيرهم له.. ولم يكتف المخططون بإبعاد البشرية عن هذه القيم في عالم الواقع، ولهم الحق ألا يكتفوا! فمادام هذا التعلق باقيا في النفوس فهي عرضة أن تعتدل من انتكاستها في أية لحظة وتحول هذا التعلق النظري -أو المتمنى- إلى تعلق واقعي يتخذ صورة سلوكية مطبقة في عالم الواقع، وعندئذ يفسد المخطط كله، ويضيع التعب الذي بذل فيه!
لذلك ينبغي أن يزال تعلق البشرية بتلك القيم بكل وسيلة ممكنة، ومن بين الوسائل المؤدية إلى ذلك أن يقال إنها ليست قيما قائمة بذاتها، إنما هي مجرد انعكاس لقيم أخرى أو أوضاع أخرى هي وحدها صاحبة الأصالة وهي وحدها الجديرة بالاهتمام.
هنا يذكرنا ماركس بفرويد!
ففرويد -في اختصاصه- يهدف إلى ذات الهدف الذي يسعى إليه ماركس! ويريد -مثله- أن يصرف الناس عن التمسك بالقيم العليا؛ لأنها عدو مشترك لكل من يسعى لإفساد البشرية واستعبادها لشعب الله المختار ... ومن ثم ينفي أنها قيم قائمة بذاتهاو ويقول إنها انعكاس لشيء آخر! فالدين ناشئ عن عقدة جنسية هي عقدة أوديب، والتسامي ناشئ عن الكبت، كما أنه لون من ألوان الشذوذ!
وإذا كان فرويد قد رد القيم كلها إلى الجنس ليحقرها ويذهب عنها ما لها في نفوس الناس من توقير وإعجاب وتطلع، فإن ماركس وأصحابه قد ردوها إلى القيم المادية والأوضاع الاقتصادية لذات الغاية ... فمعلوم أن الناس تحتقر القيم المادية ولو شغلت بها في حياتها الواقعية مشغلة كاملة! فيجيء ماركس فيرد إليها القيم العليا كلها فيذهب التوقير عنها في التو ويذهب الإعجاب والتطلع، وتفرغ من مضمونها الحقيقي وتصبح صورة شاحبة لا يتعلق بها قلب ولا ترتبط بها مشاعر! ويصبح التوقير والتعلق كله موجها إلى القيم المادية والأوضاع المادية، وما أضيق النفس حين تنحصر في هذا المحيط الضيق، وما أخسرها حين تغلق كل منافذ النور، وتفتح ذلك المنفذ الواحد الذي يتعامل مع الإنسان الطيني وحده، ولا يتعامل مع الإنسان المتكامل الذي خلقه الله من قبضة من طين الأرض، ثم سواه ونفخ فيه من روحه لتسجد له الملائكة الأطهار!

اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 328
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست