اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 327
فردية الإنتاج وفردية الإنفاق، فأسلوب العمل ذاته يجعل كل فرد يعمل مستقلا عن الآخرين، ثم إن كل عامل يعمل يتناول أجره بمفرده مستقلا عن الآخرين ... ومن ثم لا تؤدي الأسرة الكبيرة مهمة اقتصادية في حياة المجتمع الصناعي، فتتفتت وتحل محلها الأسرة الصغيرة المكونة من الأب والأم، والأطفال ... ثم تتفتت هذه بدورها لأسباب اقتصادية كذلك، وهي عمل المرأة في المصانع والوظائف وغير ذلك، فيصبح رباط الزواج ذاته واهيا يمكن أن ينحل في أية لحظة، بل يمكن أن يلغى إلغاء كاملا في أي وقت، وتحل محله العلاقات الجنسية الحرية، وتصبح هي الأساس في المجتمع الجديد.
2- اعتبار القيم المعنوية كلها مجرد انعكاس للوضع المادي والاقتصادي:
هذه النقطة في الحقيقة تحصيل حاصل بالنسبة للنقطة السابقة، فحين نقول إنهم يضخمون العامل المادي والاقتصادي ويجعلونه أساس كل شيء، فمعنى ذلك من جهة أنهم يصغرون من القيم الأخرى -غير المادية- ولا يعطونها المكانة اللائقة، ومن جهة أخرى أنهم يعتبرونها نابعة من القيم المادية ومترتبة عليها.
ولكنا نريد أن نلفت النظر في هذه النقطة إلى مزيد من تحقير القيم المعنوية ينشأ من القول بأنها مجرد انعكاس للوضع المادي والاقتصادي، فمعلوم أن البشرية قد تعلقت -منذ مولدها- بالقيم العليا من صدق وعدل وخير وفضيلة وأمانة ونظافة سلوك ... إلخ.. وسواء مارس الناس هذه القيم والفضائل بالفعل أم بعدوا عنها في سلوكهم العملي كل البعد أو ناقضوها مناقضة صريحة، فإنهم يتغنون بها في فنونهم وآدابهم، ويعجبون بها إذا رأوها ممثلة في سلوك واقعي، ما لم يكونوا مرضى القلوب بصورة غير معتادة، ينفرون من الخير ويهشون للرذيلة والانتكاس؛ لأن رؤية الخير تذكرهم بانتكاسهم فيكرهونه، ورؤية الرذيلة تغطي مواقفهم فيهشون لها، كالذين قال الله فيهم:
{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [1].
وتعلق البشرية بالقيم العليا -ولو لم تمارسها بالفعل في سلوكها الشخصي [1] سورة النساء: 89.
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 327