يوجه العقل، ولكن هذا هو الأسلوب الذي جرى عليه نظام الكون، ولو جرى أسلوب الكون على غير هذا النظام لما وجد العقل مانعاً من ذلك، ولما وجد أنه يتنافى مع أي أصل عقلي منطقي أو رياضي، وهذا البرهان يثبت لنا أن رفض المعجزات بدليل من واقع القوانين والسنن الطبيعية رفض فاسد عقلياً وعلمياً، ولا سند له، وتبقى قضية المعجزات من وجهة نظر العلم والعقل احتمالاً إمكانياً بالإمكان العقلي، ولكنه لا يسلم به واقعياً إلا أن يقترن بأدلة إثبات يقبلها العلم والعقل.
وأدلة الإثبات في هذا المجال منحصرة في الأدلة الحسية والأدلة الخبرية.
وقد توافر للذين عاصروا الرسالات دليل المشاهدة الحسية لمعجزات الرسل، فكان ذلك بالنسبة إليهم برهاناً حسياً، وأما بالنسبة إلى غيرهم فعمدتهم في إثبات المعجزات دليل الأخبار الإنسانية المتواترة عند جميع أمم الأديان السماوية، وهذه الأخبار تقطع بوجود معجزات أو آيات من خوارق العادات قد أجراها الله على أيدي رسله، منها معجزات إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم، وكذلك سائر النبيين، وجحود الأخبار المتواترة الصادقة مع وجود الإمكان العقلي، ومع وجود المبرر العقلي لها، ضرب من العناد الذي لا يفعله باحث عالم يدرس الظواهر ويحاول تفسيرها.
والتفسير العلمي للمعجزات الربانية ظاهر فيما يوضحه للدين، من أنها أدلة ربانية يصدِّق الله بها رسله فيما يبلغون عنه.
ومن العجيب أن الملحدين الماديين يقبلون معجزات الطفرة الوحيدة التي تقول بها الداروينية، ولا سند لها إلا الحدس والخيال، ويرفضون المعجزات الربانية التي يجريها الله على أيدي رسله، وهي معجزات ثابتة تاريخياً بشهادة الأخبار المتواترة المقطوع بها، مضافاً إليها الشواهد العقلية والأثرية المؤيدة لها!!
لكن هذا هو شأن الملحدين، إنهم يتناقضون بين ما يقبلون وبين ما يرفضون، تعصباً لإلحادهم، ومعاندة لخالقهم ومكابرة على الباطل.