من العجائب، ولكن تكرر الرؤية له جعله أمراً معتاداً، واتخذ في مفاهيمنا صفة قوانين طبيعية، وسنن لا غرابة فيها، وذلك لأنه ليس بين معظم الأحداث والظواهر الطبيعية وبين أسبابها وقوانينها روابط عقلية، وحينما ندرس أنظمتها كما هي في الواقع، ولا نستطيع أن نجد في العقل مقتضيات لها، غير أن نظام الكون سار على هذا الأسلوب، وكان من الممكن عقلاً أ، يسير على أسلوب آخر ضمن سُلَّم احتمالات لا نهاية لها، وتخصيص هذا النظام دون غيره ليس أمراً يقتضيه العقل.
ولو كان نظام الكون سائراً في متكرر العادة على أن الصخور متى نضجت في أشهر معينة، وبطرق معينة، تحوَّلت نوقاً وأبقاراً وزرافات وشياهاً بحسب اختلاف أنواع الصخور، لكان ذلك هو السنَّة الثابتة في نظرنا، ولكان خلاف ذلك هو المعجزة.
ولو كان نظام الكون سائراً في متكرر العادة على أن الماء يجري من أسفل الوادي إلى أعلى الجبل بنفسه، من غير أن تكون له حافات تسنده، ولا روافع ترفعه، لكان ذلك هو قانون الماء الثابت في نظرنا، ولكان خلاف ذلك هو المعجزة التي يتشكك بها ويطلب إثابتها بالدليل.
وهذا الإمكان التصوري يدلنا على أن النظام الحالي ليس نظاماً فرضته الضرورة العقلية، والارتباطات الفكرية، ولكن أوجدته السلطات ذات الإرادة المختارة، ومهما يكن من أمر فإن الإمكان العقلي الذي لا يرى مانعاً من قبول نظام آخر لو كان هو السائد في نظام الطبيعة، هو نفسه دليل كافٍ عل أنه ليس بين القوانين الطبيعية وأحداثها الظاهرة ارتباط عقلي يوجبها وحدها، ولا يسمح بمخالفتها، فقبول احتمال التغيير لا يتوقف إلا على ثبات وقوع الحادثة التي كان التغيير فيها، وإلا كان رفضاً للإمكان العقلي بدون سند من العقل، ورفضاً للواقع بدون سند من الواقع.
لو أخذنا منطق الأحياء البحرية لكانت الحياة بنظام غير نظامها معجزة من المعجزات، ولو أخذنا معتاد الحياة الأرضية لكانت الحياة بغير إمداد بالنظام الغذائي المعروف أمراً من المعجزات، مع أنه ليس في أي شيء من ذلك ارتباط عقلي