responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي المؤلف : البهي، محمد    الجزء : 1  صفحة : 271
ويلاحظ أن الإسلام -في تاريخ البشرية- أتى على إثر طغيان موجة "الإلحاد" وإنكار ما عدا "الحس" في المعرفة. يقص القرآن موقف الملحدين أرباب الحس من رسالة الإسلام، كمعرفة دينية موحى بها، وهو موقف إنكار لها، لاعتبارهم الحس وحده في المعرفة. يقول تعالى: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ، إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ، إِنْ هُوَ "الرسول" إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ} [1].
و"كومت" -"ككارل ماركس" بعده، وككل الوضعيين "الحسيين" يعتمد على حركة "التاريخ" فهو في معالجته "المعرفة" اعتمد على تاريخها ... وكذلك "ماركس" في معالجته "الاقتصاد" اعتمد على تاريخ الاقتصاد ... وهكذا.. والنتيجة التي وصل إليها "كومت" في المعرفة وهي اعتبار المعرفة الواقعية وحدها، وكذلك النتيجة التي وصل إليها "ماركس" في الاقتصاد وهي: اعتبار الاشتراكية الجماعية وحدها، وكذلك كل نتيجة لبحث وضعي اعتمد على حركة التاريخ هي نتيجة إيمان بأحداث متعاقبة في تاريخ البشرية.
فإذا كان تعاقب هذه الأحداث قانونا للحياة البشرية لا يختلف، فما وصل إليه "كومت" في المعرفة, وما وصل إليه "ماركس" في الاقتصاد -كما سيأتي- أمر مؤقت ينتظر أن يذهب، ليحل محله ما أعقبه في صورة الحياة البشرية الثلاثية ... وإذن هي نتائج ليس لها صفة الاستقرار والدوام، ومن يعتبرها من هؤلاء المفكرين أمرا دائما وطابعا للحياة لا يتغير، يكون مؤمنا بما وصل إليه، أكثر من كونه ملاحظا لأحداث التاريخ, تلك الأحداث التي تمر في سلسلتها المتعاقبة الحلقات، والتي تبتدئ من نقطة لتعود إليها من جديد بعد حين. وقد أنكر هؤلاء المفكرون "الإيمان" كمصدر للمعرفة, وقامت فلسفتهم الحسية على إنكاره. وهنا يسجل "فندلبند" في ملاحظته على "كومت"! أنه دار مع نفسه في البحث، بما يمثل المراحل الثلاث لقانون "الدورة الثلاثية" في تاريخ المعرفة: فأنكر الدين، ثم أنكر العقل، ليستقر بعد ذلك في الواقعية ثم رجع فعاد إلى الدين والإيمان، إذ جعل إلهه هواه الذي يتمثل في الإنسانية.

[1] المؤمنون: 35-38.
اسم الکتاب : الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي المؤلف : البهي، محمد    الجزء : 1  صفحة : 271
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست