اسم الکتاب : الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي المؤلف : البهي، محمد الجزء : 1 صفحة : 270
وضعه "كومت" تأييدا لمعرفة الحس- تأكد بالذات بالحال التي وصل إليها واضع هذا القانون، وهو "كومت" نفسه!! فكومت سقط في المرحلة الأخيرة من مراحل تفكيره في المجال اللاهوتي مرة ثانية, أي: إنه عاد إلى "الدين" مرة أخرى بعد ما تركه، وبعد ما ترك الميتافيزيقا، ليستقر من جديد في "الواقعية" أو "الوضعية"! إذ إنه جعل "الإنسانية" كإله أكبر موضوعا للتقديس الديني، حول فيه كل "جهاز للخدمة المقدسة" في صورة واقعية.
و"فندلبند" يشير في تعليقه على فلسفة "كومت"، إلى أنه استخدم "التاريخ" في التدليل على أنه "المعرفة الواقعية" هي غاية التطور التاريخي للشعوب الأوروبية، بجانب تنظيم الحياة الصناعية، وبذلك تكون المعرفة الواقعية هي النوع الوحيد من المعرفة الذي تسعى إليه البشرية ويجب أن تسعى إليه، وهو الذي له اعتباره العام، وليس لغير هذا النوع اعتبار ما.
و"التاريخ" الذي استخدمه "كومت" هو "تاريخ المعرفة":
- فقد كانت معرفة الإنسان قبل تفلسف الإغريق: ذات طابع ديني.
- ثم أصبحت على عهد سقراط وأفلاطون من فلاسفة اليونان عقلية.
- ثم مالت بعد ذلك على عهد أرسطو: إلى "التجربة" والواقع.
ثم ابتدأت دورة أخرى من جديد ...
فاعتبر الدين في القرون الوسطى مصدرا للمعرفة، ثم جعل للعقل اعتباره -بدلا من الدين- في عصر التنوير في القرن الثامن عشر، ثم قوي الميل إلى اعتبار المعرفة الحسية أو الوضعية وحدها -دون العقل والدين معا- في القرن التاسع عشر.
هذه دورة ثلاثية لـ"اعتبار المعرفة" في تاريخ الإنسانية ... فإذا كانت هذه الدورة الثلاثية قانونا لا يتخلف "للمعرفة" أو بالأحرى "لاعتبار" مصدر المعرفة, فالمنتظر -بناء على سير "التاريخ"- أن يعود "الاعتبار" إلى الدين من جديد، بعد أن قويت موجة الواقعية أو الوضعية في القرن التاسع عشر ... فتنكسر حدتها فتضعف، فيقل اعتبارها وعندئذ يعود الاعتبار في المعرفة للدين وحده.
اسم الکتاب : الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي المؤلف : البهي، محمد الجزء : 1 صفحة : 270