اسم الکتاب : الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي المؤلف : البهي، محمد الجزء : 1 صفحة : 267
أو الواقع، أو الحس كلها تدل على معنى واحد في نظر الوضعيين، وتقدر هذه الفلسفة الطبيعية، لا كمصدر مستقل فحسب للمعرفة، بل كمصدر فريد للمعرفة اليقينية أو المعرفة الحقة، ومعنى تقديرها للطبيعة على هذا النحو: أن الطبيعة في نظرها هي التي تنقش الحقيقة في عقل الإنسان، وهي التي توحي بها وترسم معالمها الواضحة هي التي تكون عقل الإنسان والإنسان -لهذا- لا يملى عليه من خارج الطبيعة أي: لا يملى عليه مما وراءها، كما لا يملى عليه من ذاته الخاصة, إذ ما يأتي من "ما وراء الطبيعة" خداع للحقيقة، وليس حقيقة!! وكذا ما يتصوره العقل من نفسه وهم وتخيل للحقيقة، وليس حقيقة أيضا.
وبناء على ذلك: يكون "الدين" -وهو وحي "أي: ما بعد الطبيعة" -خداع! هو وحي ذلك الموجود، الذي لا يحدده ولا يمثله كائن من كائنات الطبيعة، هو وحي "الله" الخارج عن هذه الطبيعة كلية.
وكذلك "المثالية العقلية" وهم لا يتصل بحقيقة هذا الوجود الطبيعي، إذ هي تصورات الإنسان من نفسه، من غير أن يستلهم فيها الطبيعة المنثورة التي يعيش فيها وتدور حوله.
وإذن ما يتحدث به الإنسان -ككائن شخصي- عن الإنسان كموضوع للوصف أو ما يتحدث به الإنسان عن الطبيعة التي يعيش فيها كموضوع للحكم عليها، مستمدا حديثه عن هذا أو ذاك من معارف الدين أو المثالية العقلية، هو حديث بشيء غير حقيقي عن شيء حقيقي هو: حديث غير صادق، خضع فيه الإنسان المتحدث إلى خداع الدين بحكم التقاليد، أو إلى خداع "الوهم" بحكم غرور الإنسان بنفسه.
إن عقل الإنسان في منطق هذه الفلسفة -أي: ما فيه من معرفة- وليد الطبيعة، التي تتمثل في الوراثة، والبيئة، والحياة الاقتصادية والاجتماعية....إنه مخلوق. ولكن خالقه الوجود الحسي ... إنه يفكر، ولكن عن تفاعل مع الوجود المحيط به.. إنه مقيد مجبر، وصانع القيد والجبر هو حياته المادية ... ليس هناك عقل سابق على الوجود المادي، كما أنه ليست هناك معرفة سابقة للإنسان عن طريق الوحي ... عقل الإنسان ومعرفته يوجدان تبعا لوجود الإنسان المادي.. هما انطباع لحياته الحسية المادية التي يتنفسها.
الطبيعة هي التي تنطق عن نفسها، بل يجب على الإنسان أن يعتمد منطقها إذا أراد أن يعيش فيها. ومنطقها وحده -لا منطق "المؤلهين"،
اسم الکتاب : الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي المؤلف : البهي، محمد الجزء : 1 صفحة : 267