اسم الکتاب : الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي المؤلف : البهي، محمد الجزء : 1 صفحة : 266
والعقل، والطبيعة، ولكن تميز القرن التاسع عشر بفلسفة معينة؛ لأن اتجاه التفكير فيه مال إلى سيادة "الطبيعة" على الدين والعقل معا، وإلى استقلال "الواقع" كمصدر للمعرفة اليقينية مقابل الدين والعقل ...
تميز القرن التاسع عشر بأنه عصر "الوضعية" "Positivism" و"الوضعية" نظرية فلسفية نشأت في دائرة "المعرفة"، وقامت في جو معين وعلى أساس خاص، أما جوها المعين: فهو أولا وبالذات سيطرة الرغبة على بعض العلماء والفلاسفة في معارضة الكنيسة، والكنيسة تملك نوعا خاصا من المعرفة، وكانت تستغله في خصومة المعارضين فترة من الزمن. وهذا النوع الخاص من المعرفة الكنسية هو "المعرفة المسيحية الكاثوليكية" بوجه خاص -كما سبق أن ذكرنا- أو هو المعرفة الدينية، أو المعرفة الميتافيزيقية بوجه عام، يضاف إلى هذا الرغبة القوية في معارضة الكنيسة، ومعارضة ما تملك من معرفة خاصة، أن فلسفة عصر "التنوير" وهي الفلسفة العقلية أو المثالية- في نظر فلاسفة "الوضعية" قد أفلست فيما أرادت أن تصل إليه، وهو إبعاد التوجيه الكنسي كلية عن توجيه الإنسان، وتنظيم الجماعة الإنسانية على هذا الأساس. إذا مالت هذه الفلسفة على عهد "هيجل" إلى تأييد الوحي والدين من جديد، بعد أن أحاط "كانت"[1] إبان عصر التنوير -في نقده "للعقل النظري"- المعرفة الدينية بمجموعة من الشكوك تجعلها ظنا بعيدا عن اليقين، كما جعل جدل "منطق" ما بعد الطبيعة يعلل الظاهر دون أن يهدمه، وادعى أن في كل ظاهرة -في تعليل ما بعد الطبيعة- تكمن علة شخصية للحكم يدعي فيها أنها علة مجردة.
وإذن الغاية الأولى للمذهب الفلسفي الوضعي هي معارضة الكنيسة وبالتالي معارضة معرفتها، ومن باب التغطية عارض هذا المذهب باسم "العلم" الميتافيزيقا والمثالية العقلية بهذا العنوان، وإلا فإن المذهب الوضعي في الوقت الذي ينكر فيه دين الكنيسة، يضع دينا جديدا بدله هو: دين "الإنسانية الكبرى"! ويقوم هذا الدين على "عبادة" " و"طقوس" -كما تقوم المسيحية، وله قداسة واحترام في نفوس التابعين على نحو ما للكثلكة.
وأما الأساس الخاص الذي قامت عليه الفلسفة الوضعية: فهو تقدير الطبيعة وتقييمها وحدها كمصدر للمعرفة، والطبيعة، أو الحقيقة, [1] عاش بين 1724-1804م: وهو: Immanuel Kant.
اسم الکتاب : الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي المؤلف : البهي، محمد الجزء : 1 صفحة : 266