اسم الکتاب : أضواء على الثقافة الاسلامية المؤلف : العمري، نادية شريف الجزء : 1 صفحة : 261
وكلنا يعلم أن الحضارات قبل الإسلام كانت قائمة إما على الوثنية الفارسية وإما على المادية اليونانية، وكل ما أثر عن علماء اليونان والفرس كان عبارة عن محاولات بشرية لتبرير رغبات الإنسان ومطامعه وأهوائه لذلك كانت غارقة في الخيال، بعيدة عن الواقع متعسفة بحق الإنسان وبحق الجماعة، إلى أن جاء الإسلام، فأهدى للبشرية الإيمان والعلم والمعرفة القائمة على التجربة والملاحظة، وقذف في قلب الإنسان التوحيد وحب التحرر من كل سلطة إلا سلطان الخالق, وحب معرفة الحق، والجهر به، ونتج عن هذا كله ما نراه اليوم من نهضة علمية، وتمحيص فكري وتحرر نفسي..ومن هنا، فإن العلماء الذين شادوا الحضارة الإنسانية ودونوا العلوم والمعارف، وتوصلوا إلى النظريات الرياضية والفيزيائية والكيميائية، وإلى العلاجات الطبية، ووصف الأعراض المرضية، ليسوا فُرْسًا، وليسوا عربًا، وليسوا أتراكًا.. وإنما هم المسلمون، لأن الإسلام -وحده- هو الذي حرر الفكر البشري والنفس الإنسانية من الأوهام والأساطير ومن القيود والأغلال، وأعاد تكوينها تكوينًا جديدًا منفعلًا مع التوحيد متجاوبًا مع الإيمان.. فأنتجوا ما أنتجوا من محيط القرآن والإسلام وليس من محيط بلادهم أو تراثهم.. "ذلك أن الإسلام إنما أعاد صياغة عقليات وقلوب ونفوس أربابه وأصحابه خلقًا جديدًا، فشكلهم على نمط جديد هو روح الإسلام، ومن قلب هذا الروح كان إنتاجهم، ومن هنا، فإن هذا التكوين النفسي والعقلي هو بمثابة الجنس والأخوة الإسلاميين"[1].
وعلى هذا فإن الفتوحات الإسلامية والمواقف الحاسمة والبطولات الخالدة، والمعاملة المثلى، والسماحة الكريمة والعدالة الاجتماعية، لم تكن لأيد عربية ولا فارسية ولا تركية ولا مصرية، وإنما كانت لأيد إسلامية فقط، ذلك لأن الإسلام دين عبادة وجهاد، عقيدة ومنهج حياة، نظام وقانون، مسجد وسيف، دولة وقوة، وهو بهذا صاغ النفس الإنسانية صياغة جديدة، فجعلها موحدة لله معتزة بدينها ساعية لنشر مبادئ الإسلام في أدنى الأرض وأعلاها، في مغربها ومشرقها: "لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم" [2]. [1] في سبيل إعادة كتابة تاريخ الإسلام للأستاذ أنور الجندي: ص10. [2] حديث شريف انظر الجامع الصغير.
اسم الکتاب : أضواء على الثقافة الاسلامية المؤلف : العمري، نادية شريف الجزء : 1 صفحة : 261