اسم الکتاب : أضواء على الثقافة الاسلامية المؤلف : العمري، نادية شريف الجزء : 1 صفحة : 260
ولهذا فإن -الأتراك المسلمين- يعتزون بالتاريخ الإسلامي، ويعتبرونه جزءًا من كيانهم، وكذلك الحال مع الأكراد، ومع الإيرانيين، ومع العرب الذين يفخرون بتاريخهم الإسلامي دون أن يعتزوا بأبي جهل أو بأبي لهب، وكذلك الشأن مع المصريين الذين يعتزون بالتاريخ الإسلامي لا بالتاريخ الفرعوني.. وما قيل في هؤلاء يقال في كافة الأجناس التي انتظمها الإسلام بعقد منضد موحد لا نرى بين حياته تمايزًا ولا اختلافًا، ولا تباينًا..
كتب شاه ولي الله عالم دلهي المتوفى سنة "1765م" يقول: "نحن غرباء في هذه البلاد -أي الهند- فلقد جاء أجدادنا منذ القديم ليعيشوا هنا، فالنسب العربي واللغة العربية هما موضع اعتزازنا وافتخارنا وبهما كان طريقنا إلى معرفة الله رب الأولين والآخرين، ولمعرفة محمد -صلى الله عليه وسلم- أشرف الأنبياء والرسل، وعلينا أن نشكر الله على سابغ رحمته علينا، وذلك بالتمسك قدر استطاعتنا بعادات وتقاليد أجدادنا العرب فقد جاء من بينهم نبينا الكريم، وإليهم توجه أول ما توجه في دعوته"[1].
ذلك لأن الإسلام، وهو بدء ميلاد الإنسانية، حمل إلى البشر، ولأول مرة في التاريخ "الأخوة الإيمانية" ووحدة الجنس الإنساني ووحدة الفكر ووحدة العقيدة، بديلًا عن الوثنية والشرك في الفكر والقلب، فهو الدين الوحيد الذي حرر الإنسان من فساد الجماعة، والجماعة من طغيان الفرد، وحرر النفس البشرية ذاتها من عبادة غير الله، ومن الخوف والرهبة لغير الله، وحرر العقل من التحجر والجمود والخمول، ودفعه دفعًا قويًّا إلى الكون المفتوح، لينظر ويتأمل، ويفكر ويرى وليمحص ويختبر ويعيد النتائج إلى أسبابها، ويربط بين الحركة ودوافعها، فجعل العلاقة بين الإنسان والكون علاقة تسخير واستخدام واستعمال، لا علاقة هيبة وخوف، وتصور لأوهام خرافية أو أساطير غير حقيقية.. فللإسلام وحده يعود الفضل في دفع الفكر البشري للبحث والتجربة والعلم والبرهان والدليل والحجة، وهذا ما أدى إلى إنشاء العلوم التجريبية التي تدين إليها المدنية الحديثة، والحضارة المعاصرة. [1] الغرب والشرق الأوسط تأليف برنارد لويس تعريب نبيل صبحي، نقلًا عن كتاب معالم الثقافة الإسلامية للدكتور عبد الكريم عثمان: ص145 الطبعة الثالثة.
اسم الکتاب : أضواء على الثقافة الاسلامية المؤلف : العمري، نادية شريف الجزء : 1 صفحة : 260