اسم الکتاب : نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة المؤلف : الطنطاوي، محمد الجزء : 1 صفحة : 178
النقص الفائت، وهكذا ما كان من الأندلسيين بعد استغنائهم عن المشارقة واعتمادهم على أنفسهم فإنهم عدلوا عن بعض آراء المشارقة في النحو وخالفوهم في منهاج تعليمه وتدوينه، واستدركوا عليهم مسائل فاتتهم، وبذلك استحدثوا مذهبا رابعا عرف بمذهب المغاربة أو الأندلسيين، ظهرت مبادئه من أوائل القرن الخامس الهجري، الذي يعد بحق فجر النهضة النحوية في هذه البلاد، ولقد كانت نهضة رائدها المقة[1] المحضة لهذا الفن في تلك البلاد المحرومة منه زمنا طويلا، ومن ذلك الحين قرروا كتاب سيبويه.
كتاب سيبويه عندهم:
لكتاب سيبويه عندهم منذ فجر النهضة العلمية بينهم المكانة المقدسة، فجدوا وتحملوا المشاق والأخطار في ارتحالهم من بلادهم إلى المشرق للحصول على صورة منه، وإنها لمشقة لا تسهل إلا على هؤلاء الذين أحبوا العلم للعلم، والرغبة الخالصة لا يحول دونها حاجز وإن تعذر اجتيازه، وسيأتي ذكر أعلام منهم استطاعوا نقله من الشرق في فجر النهضة عندهم، فتكاثرت نسخه بعدئذ وصار كتابهم المقدس في العربية، وإليه تؤول فضيلة النهضة الأندلسية المغربية، فقد شغف به الأندلسيون والمغاربة من هذا الحين، وتنافسوا في استظهاره، إذ كان حفظه عندهم شارة النبوغ في العربية.
فمن حفظته: حمدون النحوي القيرواني، وخلف ين يوسف الشنتريني وغيرهما وعنوا بشرحه والتعليق عليه، فشرحه منهم: أبو بكر الخشني، وابن الطراوة، وابن خروف، وابن الباذش وغيرهم، وما انفكت العناية به تزداد تترى حتى انتهت رياسة النحو إلى ابن الضائع، فقد شرح كتاب سيبويه وأبدى مشكلات فيه عجيبة.
لقد اطرد تثمير هذه النهضة في تلك البلاد وشيكا، ونمت الحركة [1] المقة: المحبة.
اسم الکتاب : نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة المؤلف : الطنطاوي، محمد الجزء : 1 صفحة : 178