اسم الکتاب : نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة المؤلف : الطنطاوي، محمد الجزء : 1 صفحة : 177
ومشافهة الأعراب فيها كما صنع المشارقة، وقفلوا إلى المغرب والأندلس مزودين بعلوم المشارقة زيادة على ما جلبوا معهم من مؤلفاتهم، إلا أنه كان للمغاربة فضل السبق على الأندلسيين لقرب بلادهم من المشرق وبعد الأندلسيين منه، وستقف على هذا عند الكلام على تراجم الفريقين قريبا.
وقد تجاوب مع هذه الرحلات المشرقية في رفع شأن اللغة العربية تقاطر المشارقة وتوافد كثير من علمائهم إلى المغرب والأندلس لتوافر المرغبات في النزوح إليهما ماديا وأدبيا، وممن ورد الأندلس أبو علي القالي الذي رعاه أحسن رعاية "الحكم المستنصر" ولي عهد أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر سنة 330هـ، وأحسن مثواه حتى لقي ربه في الأندلس وتوفي بقرطبة سنة 356هـ.
فتولد من هذين العاملين حركة في علم النحو في ظل الأمويين، والأغالبة والفاطميين، واطرد نموها وازدهرت في آخر عهدهم، وازداد ازدهارها في عصر ملوك الطوائف الذين قاموا على أنقاض الأمويين وتقاسموا بلاد الأندلس بينهم من سنة 428هـ، فإنهم كانوا يتبارون في تقدير العلم وأهله حتى كان منهم العلماء والمؤلفون، وفي خلال تلك الحقبة هبت نسمة من الأندلس على بلاد المغرب انتعشت فيها، فظهر في الأندلس والمغرب علماء ضارعوا علماء المشرق وانتشرت دراسة النحو في سائر المدن، وكادت الأندلس تحكي صورة العراق في عصره الزاهر، فكان غير عجب أنه لما فسدت السليقة بالبادية أواسط القرن الرابع الهجري وانصرف علماء المشرق إلى درس ما حفظوه ودونوه من كلام العرب، أن يصنع كذلك بعد حين المغاربة والأندلسيون في اجتزائهم بما نقلوا من ألسنة وكلام العرب المروي لهم عن علماء المشارقة والقواعد التي تلقنوها منهم، فلم يرتحلوا بعد إلى المشارقة، وعكفوا على ما حصلوا عليه، وصدقوا العزيمة في تثمير ما عندهم.
وتقضي البداهة أن إنعام الفكر في المسائل موح وملهم باستكمال بعض
اسم الکتاب : نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة المؤلف : الطنطاوي، محمد الجزء : 1 صفحة : 177