خلال فهمه الجديد للتأريخ ومن خلال نظرته الشاملة النابعة من ثقافته الواسعة وإدراكه للمغزى السياسي (الصورة التاريخية) ومن هنا صار ابن إسحاق شيخ كتاب السيرة وصار من كتبوا بعده عيالا عليه" [6] .
ومن ذلك صارت شهرة ابن إسحاق على جميع المصنفين في سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم من المتقدمين والمتأخرين أشهر من نار على علم، حتى وصفه الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت 204 هـ) بالقول: " من أراد التبحر في المغازي فهو عيال على ابن إسحاق" [7] .
كانت هنالك عوامل عدة وراء شهرة هذه السيرة التي كتبها محمد بن إسحاق عن الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلّم، وهذه العوامل هي:
1. عدم وجود مصنف متكامل وشامل عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم قبل مصنفه هذا [8] ، إذ كانت مدونات السيرة قبل هذا الكتاب مجرد صحف ومجاميع لا ترقى بمستواها إلى مصافي الكتب المصنفة والمبوبة.
2. إحالة جمع غفير من العلماء على هذه السيرة، واعترافهم بتبحر هذا الرجل بالمغازي وأخبارها [9] .
3. تلمذة جمهرة واسعة من طلاب العلم على يده وسماعهم السيرة منه وإجازته لهم بروايتها عنه، حتى تعدد الرواة لهذه السيرة الى حد أن خصص لها أحد الباحثين دراسة عنهم [10] . [6] زكار، سهيل، مقدمة تحقيق كتاب السير والمغازي لمحمد بن إسحاق، دار الفكر، قم، إيران، ط 2، 1990، ص 9. [7] الخطيب البغدادي، تأريخ بغداد، 1/ 219، ياقوت الحموي، معجم الأدباء، 18/ 5. [8] ينظر، المسعودي، علي بن الحسين، (ت 345 هـ) ، مروج الذهب، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية، القاهرة، ط 2، 1948، 4/ 314- 315. [9] ينظر، الخطيب البغدادي، تأريخ بغداد، 1/ 219، ابن سيد الناس، عيون الأثر في فنون المغازي والسير، 1/ 8- 10. [10] ينظر، الطرابيشي، مطاع، رواة محمد بن اسحاق في المغازي والسير، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط 1، 1994، ص 22.