الصحابة المتأخرون وأبناؤهم والتابعون [2] ، ولم يكتف بذلك، بل شد الرحال إلى الأمصار الإسلامية ليسمع من محدثيها ورواتها وذلك في مقتبل حياته [3] .
من هذا كله نرى أن البيئة التي سكن فيها محمد بن إسحاق المتمثلة بالمدينة المنورة والموروث السابق لأسرته التي استوطنت في منطقة اتصلت بالمدارس الفكرية المعروفة آنذاك في الحيرة وحران ونصيبين وجنديسابور [4] ، كل ذلك أدى إلى أن تشكل هذه العوامل مجتمعة أرضية صالحة لشخصية تأخذ زمام المبادرة بتصنيف أول سيرة متكاملة للرسول صلى الله عليه وآله وسلّم.
وهذا الكلام لا يدفعنا إلى التقليل من جهود السابقين له في هذا المضمار ولكن الجهد المتميز الذي بذله ابن إسحاق جعل من السيرة التي كتبها محط إعجاب المتقدمين والمتأخرين، وخير ما نستشهد به لتبيان هذا الأمر ما ذكره بعض الباحثين حول هذه السيرة والسبب الكامن وراء شهرتها، إذ يقول أحدهم: " كان ثمرة مفهوم أوسع من مفهومات معاصريه وأسلافه، وذلك من حيث أنه لم يقصد تقديم تأريخ للرسول بل رأى أن يقدم تاريخا للنبوات أيضا" [5] ويضيف آخر قائلا: " مهما تكن أهمية أعمال الزهري وموسى بن عقبة فان عمل ابن إسحاق يبقى الأساس فيما يتصل بالسيرة وإلى حد ما بالتأريخ، وتكمن أهميته كمؤرخ في استيعابه لتجارب شيوخه وفي تطويرها وإعادة تنظيمها من [2] الخطيب البغدادي، 1/ 214. [3] أورد الحكيم قوائم عدة بأسماء الشيوخ الذين سمع منهم في كل مصر من الأمصار الإسلامية، ينظر، محمد بن إسحاق وريادته في تدوين السيرة النبوية، مجلة آداب المستنصرية، كلية الاداب، الجامعة المستنصرية، بغداد، عدد 14، 1986، ص 285- 288. [4] ينظر، بابو إسحاق، رافائيل، مدارس العراق قبل الإسلام، مطبعة شفيق، بغداد، 1955، ص 90- 124. [5] جب، دراسات في حضارة الإسلام، ص 148.