يتبين لنا من عرض هذه المرحلة أنه قد كانت هنالك عوامل عديدة وراء تأخر كتابة أول سيرة للرسول صلى الله عليه وآله وسلّم بعد ما يقرب من القرن والنصف على التحاقه بالرفيق الأعلى، وهذه العوامل هي:
1. تحجيم الأمويين وولاتهم لأي مشروع في كتابة سيرة للرسول صلى الله عليه وآله وسلّم، وعلل مرجليوث هذا الدافع من قبل الأمويين بالقول: " وحين نقرأ أنه لم يكن الناس في العهد الأموي يجرؤون على تسمية أبنائهم بعلي أو حسن أو حسين، لا يدهشنا أن تتأخر أقدم ترجمة للنبي إلى ما بعد قيام العباسيين، إذ لم يكن من الممكن أن تروى ترجمة النبي في أيام الأمويين دون زعزعة إخلاص المسلمين لحكمهم زعزعة خطيرة ولم تكن النتائج لتحسن الأوضاع، ... فأنه كلما قل سماعهم أنباء عن صدر الإسلام ازداد احتمال احتفاظهم بطاعتهم" [220] .
وردت روايات كثيرة أكدت هذا العامل، فمنها الرواية التي ذكرها أبو الفرج الأصفهاني والتي عرض فيها محاورة جرت بين الزهري وخالد بن يزيد القسري حول طلب الأخير كتابة سيرة للرسول صلى الله عليه وآله وسلّم ومناقشة الزهري لهذه الرغبة من كون السيرة تحمل في جنباتها ذكرا لماثر الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام، فما كاد الزهري يخبره بهذا الأمر إلا واستشاط غضبا فقال له أتركه ألا تراه في قعر الجحيم [221] ، كذلك ما أورده السيوطي (ت 911 هـ) أن [220] دراسات عن المؤرخين العرب، ترجمة: حسين نصار، دار الثقافة، بيروت، د، ت، ص 16- 17. [221] ينظر، الأغاني، 22/ 4.