بقي لنا أن نذكر أن اتجاهات معمر قد نهجت المنحى الذي سلكه المحدثون في ما بعد، وهو عرض الحوادث من دون إخضاعها لعامل السبق الزمني والقدم، فضلا عن إغفال الأشعار التي قيلت في الحوادث التي يذكرونها [214] ، إذ مثل بمنحاه هذا تطورا نوعيا في كتابة السيرة إذ اتسم منهجه بالطابع النقلي الخاص بعرض الروايات من دون مناقشة أو تعقيب عليها، فضلا عن تشتت وبعثرة الروايات التي يذكرها لفقدان طابع السبق الزمني لهذه الحوادث من حيث أسبقية القدم منها في العرض.
هؤلاء هم الأشخاص الذين أدوا دورا في تدوين ورواية أحداث السيرة التي سبقت سيرة محمد بن إسحاق التي تمثّلت فيها جهود معظم هؤلاء الأشخاص [215] .
لم تقتصر مدونات سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وذكر أصحابه ومتعلقيه على النثر، بل نظمت كثير من القصائد التي أرخت بعض الحوادث التي حصلت في عصر الرسالة، إذ رفدت القصائد التي جادت بها قريحة الشعراء السيرة النبوية ببعض الحوادث المهمة التي لولاها لبقيت مبهمة وغير معروفة، إذ وصف أحد الباحثين هذه المقاطع الشعرية التي انبرى لجمعها ودراستها بالقول: " تزخر السيرة النبوية بالكثير من النصوص الشعرية التي تمثل جانبا مهما من تراثنا الأدبي والتي لا تقف أهميتها على الناحية الأدبية فحسب بل تتجاوزها إلى نواح أخرى دينية وتأريخية إذ صورت لنا كثيرا من الأحداث والمواقف في الحقبة الأولى من تأريخ [214] ينظر، الصنعاني، المصنف، 5/ 322، 324، 340، 343، 347، 357، 359، الواقدي، المغازي، 3/ 889، البلاذري، أنساب الأشراف، 1/ 286، 322. [215] هوروفتس، المغازي الأولى ومؤلفوها.