اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 495
إن الأسطورة كانت عند أصحابها حقيقة، وليس لنا أن نقيس الأمور بمقاييس عصرنا، بل بمقاييس العصر الذي كتبت فيه الملاحم.
فإن كانت قصائد المدح النبوي تخلو من أساطير الملاحم الآخرى، فالخيال الشعري في التعبير يعوّض ذلك، وليس المهم أن يحلّق الشاعر بخياله عن طريق الأسطورة، ولكن المهم أن يحلق بخياله بأية طريقة، ولا يوجد أفضل من أن تنطلق به المدائح النبوية إلى عالم الروح، عالم الغيب والشهادة، ليتصور ذلك العالم الحق الذي وصفه الدين الإسلامي، وغدا الإيمان به أحد أركانه التي لا يتم إيمان المسلم إلا به، فالحديث عن السموات في الإسراء والمعراج، والحديث عن اليوم الآخر، والحديث عن الملائكة، أحاديث شيّقة، تهفو إليها نفوس المؤمنين، وتحلّق إلى عوالمها أرواحهم.
وليس مهما أن يكون لدينا ملاحم تتطابق مع فن الملاحم عند الأمم الآخرى، ولكن المهم أن العبقرية العربية لم تكن قاصرة عن إبداع مثل هذا الفن، وألا يعد غياب القصة والمسرحية والملحمة على شكلها المعروف عند الشعوب الآخرى، عن الأدب العربي تخلفا وقصورا في التفكير، وجفانا في القريحة، وضيقا في الأفق، فبذور هذه الفنون كانت موجودة في أدبنا العربي، ولو كانت الظروف ملائمة لتطورت وضارعت ما هو موجود في الآداب الآخرى، أو لو كانت الحاجة ماسة إلى التعبير عن طريق هذه الفنون لوجدناها سوية ناضجة في أدبنا.
وهذا لا يعني أنه من الضروري أن يكون في أدبنا العربي ملاحم ومسرحيات، فلكل أدب خصائصه وميزاته، وهذا لا يعيبه، أو كما قال كنون: «لا أرى لازما أن يقلد الأدب العربي الأدب الأجنبي في كل خصائصه ومميزاته، وأسمائه واصطلاحاته، فأفضل أن نطلق على هذا اللون من الشعر اسم شعر السير، ونجعله في مقابل شعر الملاحم» [1] . [1] كنون، عبد الله: أدب الفقهاء ص 208.
اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 495