اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 496
وقد قاربت بعض قصائد المدح النبوي نظم السيرة شعرا، إضافة إلى المنظومات التعليمية، التي حاول أصحابها أن يذكروا كل شيء من السيرة، وهم يريدون أن يسهّلوا حفظها على الناس، ومن ذلك نظم السيرة للعراقي، ومنها قوله:
وهو الذي آمن بعد ثانيا ... وكان برّا صادقا مواتيا «1»
وقول أحدهم في الألفية، وهذا يعني أنها منظومة للسيرة في ألف بيت:
فالستّة الباقون فالبدريّة ... فأحد فالبيعة المرضيّة «2»
إن قصائد المدح النبوي تعبّر عن روح التغيير في الشعر العربي، التي كانت موجودة عند الشعراء، لكن التعبير عن هذه الروح استسلم للحدود المرسومة للشعر العربي، وهي الشكل الخارجي للقصيدة العربية من الوزن والقافية، ومن هنا لم تكن ملامح الملحمة على وضوحها عند غير العرب.
فإرادة التجديد في المضمون وطريقة الأداء لم تتجسد في شكل جديد، وإنما قسرت على التجسّد بالشكل التقليدي، ولو لم يلتفت شعراء المدح النبوي إلى الشكلية، والإغراق في فنونها، لكان لقصائدهم شأن آخر، ولو قيّد لهذا الفن بعد البوصيري والصرصري شعراء عظام، لكان لأثره في الأدب العربي موقع آخر.
ولو أردنا إيراد شيء من أمثلة قصائد المدح النبوي الطويلة التي ضارعت الملاحم، لوجدنا قصائد كثيرة، تجاوزت في طولها مئات الأبيات، بعضها لم يخرج عن السرد والتعداد، وكان أقرب إلى المنظومات التعليمية وبعضها حمل الحس الملحمي، مثل قصائد البوصيري، البردة المشهورة، وإن لم تصل إلى طول غيرها، والهمزية التي تجاوزت الأربع مئة بيت، وهي أقرب قصائد المدح النبوي إلى فن الملاحم، فهو يستهلها
(1) شرح الزرقاني 7/ 27.
(2) المصدر نفسه 7/ 39.
اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 496