اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 456
على أفضليتهم، وكأنه يعبر عن سخط العرب على واقعهم، ويظهر شعورهم بالغبن، إلى جانب اعتزازهم بعروبتهم، ولذلك أخذ شعراء المدح النبوي ينشرون فضائل العرب ويذيعونها بين الناس، لينتصف العرب من الأعاجم في بلادهم، وليعرفوا هم وغيرهم قدر أنفسهم ومكانتهم في الدولة الإسلامية.
وهذا ما نجده عند ابن الجيّاب الأندلسي الذي اغتنم حديثه عن نسب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فمدح العرب جميعا، وفصّل في مدحهم وأسهب، في عصر لم يعودوا فيه سادة الأمر، وأفل نجمهم أو كاد، فقال:
فخير الورى العرب الذين هم هم ... عطاء نوال أو لقاء قنابل
أكفّهم تزجي المنايا أو المنى ... وتهمى ببأس لا يردّ ونائل
وألسنتهم جاءت وفاق أكفّهم ... كعضب يمان أو كعذب سلاسل
فقد سارت الرّكبان تنشر فخرهم ... كنشر الصّبا عرف الرّبا والشّمائل «1»
فما دواعي هذا المدح المستفيض للعرب في هذه المدحة النبوية؟ وما هي مسوغات التفصيل في فضائل العرب وميزاتهم؟
إن مناسبة هذا المدح، وهي مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لا تتيح للشاعر أن يسهب في مدح العرب هذا الإسهاب.
لقد قصد إلى ذلك قصدا وأراده، لأنه تعبير عمّا يعتلج في نفسه ونفوس العرب من تطلع إلى إثبات الوجود، والانتصاف من المتسلطين على بلادهم، والذين لا يوازون العرب في أمجادهم وفضائلهم، ولكن ما أوصلهم إلى حالهم هذه هو تقاعسهم وتفرقهم، وجهلهم قدر أنفسهم، ولذلك يأتي هذا الشعر ليثير في أنفسهم الحميّة
(1) ديوان ابن الجياب الأندلسي: ورقة 7.
اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 456