اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 250
وليست هناك حياة كانت على الأرض هي أغنى بواقعها المجرد من حياة سيد الخلق محمد صلّى الله عليه وسلّم، فهي حياة تنطق كل حركة منها، ويشهد كل موقف من مواقفها بأنها حياة بلغت في السلوك البشري حد الإعجاز، وأن خصائصه ومعجزاته التي نطقت بها آيات الكتاب الكريم والسنن الصحيحة والآثار المعتبرة، لهي من الكثرة والوفرة بحيث لا تحتاج إلى تلك الزيادات التي يمجها الذوق السليم، وتعافها حياة الفطرة، والتي لا يشهد لها سند صحيح ولا نقل موثق» [1] .
فإذا ما التفتنا إلى المدائح النبوية، وجدناها حافلة بضروب مختلفة من صور نظرية الحقيقة المحمدية، وقلما تجاوز ذكرها شاعر من شعراء المديح النبوي، فابن عربي يعبّر عن نظريته في الحقيقة المحمدية شعرا، ويقول:
ويكون هذا السّيّد العلم الذي ... جرّدته من دورة الخلفاء
وجعلته الأصل الكريم وآدم ... ما بين طينة خلقه والماء
ونقلته حتى استدار زمانه ... وعطفت آخره على الإبداء «2»
ونجد نظرة المتصوفة هذه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والمنطلقة من الحقيقة المحمدية، في قول ابن زكريا الدروكي [3] من مدحة نبوية:
يا قطب دائرة الوجود بأسره ... لولاك لم يكن الوجود المطلق
مذ كنت أوّله وكنت أخيره ... في الخافقين لواء مجدك يخفق
كنت النّبيّ وآدم في طينة ... ما كان يعلم أيّ خلق يخلق «4» [1] السيوطي: الخصائص الكبرى ص 4.
(2) ابن عربي: الفتوحات المكية 1/ 2. [3] الدروكي: محمد بن مصطفى بن زكريا، اشتغل بالعلم وتأدب، كان يعرف التركية والفارسية، تولى الحسبة بغزة، وأدب الملك الناصر قليلا، توفي سنة (713 هـ) . ابن حجر: الدرر الكامنة 4/ 259.
(4) ابن حجر: الدرر الكامنة 4/ 295.
اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 250