اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 77
وكذلك كانت توجد في منطقة مكّة سوق مجنة وذي المجاز، ويقضي العرب في هذه الأسواق حوائجهم، ثم يرتحلون إلى مكة لحجهم[1]، كما كانت توجد أسواق أخرى في أنحاء شبه الجزيرة العربية منها دومة الجندل وصحار والشحر وعدن وصنعاء وعدة أسواق أخرى محلية تأتيها القبائل للامتيار[2].
وقد كانت عكاظ، كما قلنا، أعظم هذه الأسواق وأشهرها، وطالمَا خرجت السوق عن وظيفتها الأصلية التي يفهمها الإنسان من السوق، وهي البيع والشراء، إلى أمور أخرى لا علاقة لها بالسوق التجارية، وهي المفاخرات والمباهاة والمسابقات في قول الشعر، وافتداء الأسرى، وكثيرًا ما كانت تعتقد فيها مجالس الصلح والتحكيم بين القبائل فتحلّ المشاكل المعقّدة، والناس مطمئنون إلى حرمة الأشهر الحرم التي تنعقد فيها السوق. فهي مجتمعات سياسية ذات أهمية، ومؤتمرات تقرّر فيها كثير من الأمور التي لها صلة بسياسة القبائل وبصلاتها بعضها ببعض، كما كانت القبائل تعلن فيها تبرأها ممن تخلعهم لجرائم ارتكبوها وأعمال أتوها لم ترضَ عنها، ليعرف الناس ذلك فلا يؤاخذوها على جرائم يقترفها هؤلاء الخلعاء[3]. وفي عكاظ كانت تحمّل الديون والإتاوات إلى أصحابها، فيذكرون مثلًا أن هوزان تحمل إتاوتها إلى عكاظ لتدفعها إلى زهير بن جذيمة العبسي[4]، وأن حيًّا من الأزد كان يحمل إتاوته إلى عبد الله بن جعد 5 على أن العرب؛ وبخاصة الخلعاء والصعاليك، من لم يرعَ حرمة الأشهر الحرم، كان يغشى هذه الأسواق يلتمس الرزق السهل، بسلب الناس والاعتداء عليهم عند قدومهم إلى السوق أو ارتحالهم منها؛ ومنهم من كان يجرؤ على السلب والنهب حتى في عكاظ نفسها[6] كما لم ينجُ موقع عكاظ من الحروب، فوقعت فيه عدة أيام أهمها حرب الفجار، ولا يمكن أن ينجو مثل هذا المكان من الفتن والمعارك وهو [1] اليعقوبي 1/ 227. [2] نفسه. جواد 4/ 226. [3] نفسه 4/ 223- 255. [4] الأغاني 10/ 11. ابن الأثير 1/ 337. العقد الفريد 1/ 135.
5- الأغاني 5/ 24. [6] اليعقوبي 1/ 217. جواد 4/ 225.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 77