اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 177
كذلك لحيادها ولبعدها عن النزاع السياسي الذي كان بين الفرس وبين الحبشة وحلفائهم الروم. ولذلك لا تحدثنا الروايات كثيرًا عن قوافل الجنوب، بينما كانت قوافل قريش متصلة دائمًا نحو الشمال، كما تحدثنا عن رحلات بحرية إلى الحبشة التي كانت لقريش متجرًا ووجهًا[1]. ولعل من مؤيدات اتساع هذا الأفق التجاري البحري الهجرة التي قام بها المسملون إلى الحبشة[2] وليس من المعقول أن يهاجر المكيون إلى بلدلم يكونوا يعرفونه، وهذه المعرفة تدل على أن هذه البلاد التي اتصل بها المكيون في أسفارهم التجارية[3].
وفي القرآن ذكر كثير لمصر ونهرها وما يتفرع منه من أنهار. وما يقوم فيها من أهرامات وقصور، وأرض زراعية وعمران[4], وآيات القرآن تلهم أن أهل مكة كانت لهم صلاة بمصر. وأن أسفارهم التجارية قد وصلت إليها وأنها قد رأوها وشاهدوا نيلها وأرضها وآثارها، على أن صلة العرب بمصر قديمة؛ فإنهم كانوا يتاجرون فيها وينقلون إليها حاصلات الجنوب من البخور والمر الذي كان لازمًا لمعابدها، وقد عثر على نقش على تابوت في الجيزة مكتوب بالخط العربي الجنوبي وباللهجة المعينية، وهو مؤرخ بالسنة الثانية من حكم بطليموس بن بطليموس أي سنة 261 ق. م، ويدل النقش على أن معينيًّا كان يسمى زيد -إل بن زيد، كان يشتغل بالكهانة في أحد المعابد المصرية، كان يستورد المر والزرير -قصب الطيب- Calamus من بلاده للمعبد ويصدر إليها على السفينة التجارية التي يملكها أثوابًا جميلة من البز المصري[5].
ولا بد أن هذه التجارة في حاصلات الجنوب التي كانت لازمة لمصر كانت مستمرة بعد ذلك، وأنه بعد انتقال التجارة إلى يد قريش، كان تجار قريش يقومون بنقل قسط من هذه التجارة، وأن منهم من وصل إلى مصر وتاجر فيها، وقد عرف المكيون الأقشمة المصنوعة في مصر، وكانوا يسمونها القباطي. [1] الطبري 2/ 32، 69، 295 الأغاني 8/ 52. [2] انظر سورة النحل 41، 110، الطبري 2/ 68- 69. [3] أنساب الأشراف 1/ 380، حتى 128. [4] انظر كلًّا من سورة الفجر 10- 11 الزخرف 51 الحج 45 - 46 الروم 9. [5] العرب والملاحة البحرية ص 6.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 177