اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 178
والآيات القرآنية التي تشير إلى البحر وعواصفه وما يجري فوقه وما يستخرج من جوفه[1]، والتي يمتاز بوضوحها وجلائها الرائع، ليست إلا صدى للنشاط التجاري والاتصالات البحرية بين الحجاز والحبشة وغيرهما. ومع ما في هذه الآيات من تعدد لنعم الله، إلا أنها بما تحمل من طابع الخطاب القريب تدل على أن الكلام موجه إلى المخاطبين القريبين وهم أهل احجاز وأهل مكة بنوع خاص، وتدل على ما كان لهؤلاء من صلة بالأعمال البحرية المتنوعة، وما كان يقوم في ثغور الحجاز وسواحله من حركة وملاحة، وصيد وغوص، وما كان لأهل الحجاز وبخاصة مدنه وتجاره من منافع عظيمة، وكثرة الآيات وتكرار التعداد وتنوع الأساليب، وهذه الحفاوة القرآنية في الإشارة إلى البحار وما فيها وما يجري فوقها وما يعود منها من المنافع العظيمة يمكن أن تدل على أن حركة الملاحة والصيد والغوص لم تكن ضعيفة[2]، وأنها كانت مما يعول عليه أهل الحجاز في معاشهم وحياتهم التجارية والاقتصادية تعويلًا غير يسير، وأنهم كانوا يعرفون البحر وركوبه ويستخدمونه في أغراضهم المختلفة.
ولم تكن قريش حين سيطرت على التجارة تملك سفنًا في البحر الأحمر، ولكنها من غير شك كانت تنقل تجارتها من الحبشة وإليها عبر هذا البحر، ولا بد أن أهل مكة كانوا يستخدمون سفنًا تعمل لحسابهم[3].
أما صلات قرييش بالفرس فلم تكن على قدر كبير؛ لأن التجارة مع فارس كانت في يد عرب الحيرة الذين كانوا يدبرون أمر وصول هذه التجارة إلى أسواق العرب، وكانوا يحملون لهم من هذه الأسواق ما هم في حاجة إليه من حاصلات الجزيرة العربية، ومع ذلك فقد كانت تجارة قريش تدخل بلاد فارس عن طريق قوافل تخرج من مكة إليها، عبر الطريق الصحراوي المار بشرقي يثرب[4] إلى العراق، وتحدثنا الروايات عن أشخاص من رجال مكة ماتوا في طريق عودتهم من العراق[5]. [1] انظر كلًّا من سورة الأنعام 97، التوبة 96، يونس 22، النحل 14، الإسراء 66، النور 43، فاطر 12، الشورى 31- 32، الرحمن 19 -24. [2] الأغاني 3/ 118. [3] الجاحظ، البيان والتبيين 1/ 207. [4] الطبري 2/ 181. [5] ابن الأثير 2/ 10، ياقوت 10/ 249.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 178